مسيرة الرباط التضامنية مع حراك الحسيمة ونواحيها كشفت عن الكثير من "اللعب" في هذا الملف، بينما كشفت أيضا عن أن "المعقول" هو عملة نادرة. طبعا هناك أناس خرجوا للمطالبة بحقوق مشروعة وهم أقلية أما الأغلبية فهم الذين ينفذون أجندات سياسية، والمطالب الاجتماعية بالنسبة إليهم مجرد الجمل الذي يركبون ظهره للعبور، وبالتأكيد فإن هؤلاء لا يريدون للمطالب أن تتحقق، لأن في تحقيقها موت كياناتهم.
الأحزاب والتنظيمات السياسية والدينية تلعب في الهامش، الذي لا يستفيد من الثروة الوطنية والذي لا تصله الاستثمارات ولا يصله حقه من البنيات.
مسيرة الأحد أظهرت أن التشكيلات السياسية لا يهمها بتاتا أن يتم تحقيق مطالب الشارع، ولكن يهمها كيف تستفيد من الحراك الشعبي وكيف تعود من خلاله للشارع، الذي تجاوز اليوم الوسطاء الحزبيين والنقابيين، وهذا يحدث في العالم كله، فقد جاء إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي الجديد من حركة الشارع، ولهذا تسعى التنظيمات إلى رتق بكارتها.
والغريب أنه لا شيء يجمع بين هذه التنظيمات. بما أن المطالب الاجتماعية ليست هي أساس خروجها فإنه لا يوجد شيء يوحدها. كيف تجتمع العدل والإحسان بالنهج الديمقراطي بفديرالية اليسار ببعض بقايا 20 فبراير بالحركات الفوضوية؟
العدل والإحسان تدعو إلى دولة الخلافة على منهاج النبوة، وهي دولة شبيهة بدولة البغدادي ولكن تختلف عنها في بعض التفاصيل، وهي لا ترى في التحالف مع اليسار وغيره سوى مرحلة عبور نحو تحقيق أهدافها ومن بعدها تتركهم يموتون موتتهم الطبيعية.
النهج الديمقراطي حزب وريث لمنظمة إلى الأمام يرفع شعار الجمهورية، وهي تختلف جذريا عن دولة الخلافة، فيما يسعى اليسار الديمقراطي إلى ملكية برلمانية بينما باقي التشكيلات ليس لها سقف سياسي.
العدل والإحسان كانت أكبر التشكيلات وأقواها تنظيما وظهر أن الأحزاب فقدت بريقها وتركت الساحة للإسلاميين يعيثون فيها كيفما شاؤوا. ولا يمكن إلا أن يكون هذا الأمر بمثابة ناقوس خطر. طبعا لقد تراجعت كثيرا ولكن بمكنتها لعب دور "بوحمارة" في حال وجدت أياد أجنبية تريد سوءا بالمغرب، ولهذا لا ينبغي أن نترك لها الفرصة لكي تتسرب منها لضرب المجتمع.
هذا التنافر الذي عاشته مسيرة الرباط يوحي بأن الوسائط لم تعد قادرة على تمثيل الشعب والدفاع عن مطالبه لأنها تختلف عن أهداف ومطالب الأحزاب السياسية، فالشعب اليوم ليس له سقف سياسي ولا يناقش في المؤسسات ولكن يناقش الشغل والصحة والتعليم والعدل، ولا يهمه الشعارات البراقة التي ترفعها الأحزاب ولا تهمه النعوت بقدر ما يهمه تجسيدها على أرض الواقع.
المطالب الشعبية إذن سقطت بين فك قراصنة الحراك والمسيرات وحكومة عيونها مغلقة عن الواقع، وبالتالي فإن الطرفين يساهمان في التوتر وفي تأجيج الأوضاع والذهاب به نحو العنف.
ولهذا نرى أن الحل يكون ثالثا من خارج الطرفين شبيها بما وقع يوم التاسع من مارس.