لا غبار على أن حراك الحسيمة ونواحيها حراك مشروع ومطالبه اجتماعية، ولا يمكن التشكيك في حقيقة ما يريده السكان، ويتقاسمون ذلك مع العديد من سكان الكثير من المدن المغربية، ولا داعي لوصفه بأنه مدعاة للفتنة، لكن لا يستغبينا أحد ويقول إن الحراك طاهر مطهر لا يمكن أن يركب عليه أحد ويحوله إلى لعبة تحرق الوطن.
ومشروعية الحراك بالحسيمة ونواحيها لا تعفي المعتقلين من المسؤولية الجنائية، حيث إنه تم ارتكاب جنح وجنايات يعاقب عليها القانون، وأمام الكاميرات قام ناصر الزفزافي، متزعم الحراك، بالاعتداء على حرمة المسجد ومنع إقامة الشعائر الدينية، وأمام الكاميرات قام المحتجون برشق رجال القوات العمومية بالحجارة، وأصيب بعضهم إصابات خطيرة من بينهم من تهشم جبينه.
ووجود اختلالات في الحراك وعدم نضج قادته وارتباط بعضهم بجهات بالخارج معادية للمغرب أفسد العملية برمتها، ولكن هذا لا يعفي الحكومة من مسؤوليتها القانونية تجاه المواطنين، ولابد من محاسبة كثير من المسؤولين، الذين تسببوا في توقيف بعض المشاريع، بل لابد من معرفة الخيط الناظم في كل هذا التوتر ومن صنعه وما الغرض منه؟
الحكومة السابقة والحالية مسؤولتان عن الوضع الاجتماعي، والجماعات المحلية مسؤولة بدورها عما جرى ويجري، باعتبار أنها مسؤولة عن توفير العديد من الخدمات للمواطنين وتقريبها منهم، ورغم أن الدولة وفي إطار المخططات الاستراتيجية وضعت مشاريع مهمة غير أن الحكومة مسؤولة مباشرة عن عدم تتبع إنجازها وهو أمر يدخل ضمن اختصاصاتها.
الذين جاؤوا أمس الأحد للرباط في مسيرة اختاروا لها عنوان التضامن مع حراك الريف وإطلاق المعتقلين السياسيين، يعرفون أن من تم اعتقالهم ليس على أساس التعبير عن آراء ولكن التسبب في جرائم وجنح في واضحة النهار. يعرفون أن في المقابل هناك عناصر من القوات العمومية أصيبوا إصابات خطيرة. وهم أيضا مواطنون مغاربة ولهم جميع الحقوق. وهناك مواطنون ينتظرون من الدولة أن تكون حازمة في وجه الاختلالات ولا يحبون الدولة الهشة.
ولسنا هنا ضد العفو الملكي عن المعتقلين وتدخل الملك في أي سياق من السياقات التي يخولها له الدستور بما فيها توقيف مسطرة المحاكمة، لكن في إطار الرعاية الأبوية لا في غيرها، وحينها يغفر المتضررون والضحايا لمن ظلمهم.
ماذا جاء هؤلاء يفعلون ويقولون؟ هل جاؤوا من أجل طرح مخرج للأزمة أم جاؤوا من أجل تأجيج الوضع؟
هناك مناضلون همهم الوحيد تحقيق المطالب في ارتباط بمعادلة حفظ الأمن والاستقرار. لكن هناك تيارات هدفها الركوب على موجات الحراك الاجتماعي من أجل تحقيق أغراض سياسية، بل حتى من لم يكن لا في العير ولا في النفير يتقدم اليوم المسيرات.
نعم كنا نريدها مسيرة تدعو للخروج من الأزمة عن طريق ملف مطلبي حقيقي بعيدا عن تسطيح الشارع لكن للأسف الشديد ما زال هناك تجار للمسيرات في كل وقت وحين.
الحراك في الحسيمة لا يمكن أن تحله المسيرات ولا التصعيد لأن الدولة في النهاية عليها مسؤولية رعاية مصالح المواطن ولن تقبل التحدي إذا كان خرقا للقانون.