تطوع عشرات المحامين للدفاع عن الموقوفين في ملف حراك الحسيمة ونواحيها، ودخل المحامون في الملف أفواجا، دون طلب من أحد ولا حتى إذن من المعنيين بالأمر، وضاقت اللائحة بهم وسيكون متعبا قراءة كل أسمائهم، لكن عائلات المتهمين لها رأي آخر فهي تقول لهم "الله يكثر خيركم لا نريد استغلالا سياسيا لقضية أبنائنا"، بمن فيهم عائلة ناصر الزفزافي، متزعم الحراك.
العائلات تدمرت كثيرا من هذا التسابق المحموم على الدفاع عن أبنائها دون طلب منها ولا حتى إذن. لقد عرفت أن القضية ليست لوجه الله ولكن لوجه الإعلام والدعاية أو لتحقيق مآرب أخرى، وهناك من يريد من خلال الانضمام لهيئة الدفاع أن يصفي حساباته مع الدولة.
فالدفاع حق من حقوق المواطنين، وهو حق لكل متهم مهما كانت الجريمة التي يتابع بها، ومن لم يتمكن من توكيل محامٍ للدفاع عنه تقوم المحكمة بتعيين محامٍ في إطار المساعدة القضائية، وتتكلف المحكمة بأتعاب المحامين في هذا السياق، لأن المحاماة جزء من أركان المحاكمة العادلة، ولهذا يتم تعيين المحامي مهما كانت الظروف.
بعض المحامين يرفضون العمل في إطار المساعدة القضائية لأن التعويضات التي يتقاضونها من ورائها تكون بسيطة بالمقارنة بالقضايا التي يترافعون فيها، ولهذا كثيرا ما يتهرب المحامون من هذا الأمر.
عشرات المتهمين لا يجدون من يدافع عنهم ولا حتى يقرأ لهم التهم المنسوبة إليهم، ومن المتهمين من تضطر عائلته لبيع بعض الأثاث لتكليف محامٍ للدفاع عنه، وهؤلاء لا يجدون متطوعين نهائيا بل يتم تركهم لحال سبيلهم في انتظار أن تقوم المحكمة بذلك.
لكن لماذا تقاطروا اليوم بشكل كثيف؟
لأن القضية اليوم مرتبطة بالرأي العام ومن الممكن أن تتابع المحاكمة وسائل إعلام أجنبية، وهي فرصة نادرة للظهور في تلفزات العالم والجرائد والمواقع الرقمية. ولقد عهدنا هذا النوع من المحامين، الذين يترافعون في القضايا التي تتبعها بروباغندا مثلما كان يفعل بعض المحامين في ملفات السلفية الجهادية، حيث كان مجرد أن تنضم للائحة الدفاع حتى تتصل بك قناة الجزيرة، التي كان لها يومها شأن كبير قبل أن تفقد مصداقيتها خلال الربيع العربي.
ناصر الزفزافي متهم. والمتهم بريء حتى تثبت إدانته. وله الحق في الدفاع وتعيين المحامي أو المحامين الذين يريد هو لا أن يفرضهم عليه واقع التسابق. ورأينا كثيرا منهم يتسابقون للإدلاء بتصريحات للصحافة حتى دون أن يعرفوا المنبر الإعلامي الذي يصرحون له. المهم أن تكون المحاكمة فرصة تاريخية للظهور في وسائل الإعلام وهو رأسمال رمزي يتم استثماره فيما بعد حسب تعبير بيار بورديو.
المحامي لا يمكن أن يتحول إلى باحث عن الشهرة عن طريق النفخ الإعلامي ولكن يمكن أن يُشتهر عن طريق اجتهاداته في شغله على مدى الزمن، ولن تكون الحسيمة وحراكها مطية لتحقيق أغراض سياسية وغيرها.