للمرأة هناك أعياد وليس عيد واحدٌ، عيد المرأة وعيد الحب، وعيد الأم، ناهيك عن الأعياد الخاصة من أعياد ميلاد الزوجة إلى أعياد ميلاد مواعد الزواج، مواعيد أعياد كثيرة، تعيد بها شعوب الهناك لقلوبها النبض الخفيف والدقات الحالمة، أعياد يقطعون بها الأمد الطويل للعلاقة بباحات استراحة كما تقطع الطرق الطويلة بباحات الاستراحة.. ألم يقل القرآن "فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم".. وهل هناك أجمل من أعياد العشق لمحاربة قسوة القلوب..؟؟ أم قدرنا نحن أهالي الضفة اليابسة يباس العلاقات ولو تعلق الأمر بالعلاقات العشقية الراقية، علاقات تبدأ جذلانة فرحة ولا تلبث تتحول إلى جهنم وجحيم لا يطاق، أو كما عبر على لسان أحدهم الشاعر "إيليا أبو ماضي" "قال التي كانت سمائي في الهوى *** صارت لقلبي في الغرام جهنّما"..!! سرعة مفرطة من النعيم إلى الجحيم، اللهم أبعد عنا هذا القطار الفائق السرعة… وذاك مآل من لم يجعل للحب والمحبّة أعيادا تشارك فيها كل الأعمار، حيث يعود العمر إلى ذكرياته اللذيذة مانحا لثقل السنين متنفسا وتهوية مستحقة، مانحا كذلك لصقيع العمر مدافئ من جمر قديم لا يخبو وإن طالت أزمنة البرد، هكذا يعيشون هناك غمرة الحب ونشوته والذي تزيده الأعياد توهّجا وتألقا.. وفيهم صبية صغار يرون على مدار هذه الأعياد تبادل الورود والقبلات، بعد هذه التدريبات في ميادين المحبات والعشق يتخرج هؤلاء الصبية لاعبين كبارا في حلبات محبة الحياة وعشق هزائم المحبة والعشق..!!
بالأمس دعاني أحد الأصدقاء الأوربيين بمناسبة الاحتفال بعيد زواجه من إنسانة تستحق كل الأعياد، ورأيت كيف يعود التوهج للقاءات القديمة وتزدهر الذكريات البعيدة، وكيف تناثرت الورود على عيد لا تعرفه الواقفات والواقفون على أبواب محاكم الطلاق.. رأيت الفرح الحقيقي في عيون الزوجين، أطربتني هذه الدعوة إلى هذا العيد الإنساني العاشق والخالد، كما حزّ في نفسي أن أكون المدعو الوحيد من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، يحدث هذا والضفة الشمالية الأوربية للمتوسط لا تفصلنا عنها سوى كيلومترات خجولة، ونحن مازلنا نصرّ على تطوير كسادنا الوجودي وهزالنا الإنساني، وجفافنا المحبّاتي والعشقي.. ويراد لنا أن نواجه حربا طاحنة تريد أن تقصي فينا ومنا أجمل وأرق ما نملك، وهي بساطتنا ورقتنا وهشاشاتنا التي لا يريدون أن نعتز بها ويريدون أن نعلن الحرب ضد أخطائنا الطيبة ونجرم فينا الروح الجسدية… هكذا يراد أن يفصل الجسد عن لغته ويحاصر فينا كل معنى للحياة، وتختطف الروح باسم الطّهر الكاذب الزائف ويرزح الجسد تحت الإثم المكفّر عنه بطقوس شديدة الدقة مغالية في التفاصيل… أبعد هذا اليباس الإنساني ننتظر برلمانا مورقا وحكومة غاضبة للإنسان الذي ليس فيها… نعم أوربا تحتفل بأعيادها الانتخابية والسياسية لأنها احتفلت قبل هذا بأعياد الإنسان ومحباته وبصدق لا يضاهى… فقد أفلح هذا الهناك بتصفية النزاع البليد بين الروح والجسد، وألغى تعاليم الإبادة واعترف بأعياد الإنسان… ولا غرابة أن تكون بعض أعياد هذا الهنا صارمة، غاضبة خشنة تنهك الجيب والروح والجسد.. وتكاد تسأل لماذا يحتفل المنهكون..؟؟ غربة أعيادنا وغربتنا عن أعياد الإنسان… بعد دعوة هذا الصديق أدركت أن عيدا واحدا يكفي كي يلغي الإنسان الأعياد الكاذبة..!!
الأعياد الحالمة عند أهالي الهناك تسجل فيها محلات بيع الورود أكبر المبيعات، كما تسجل أرقام قياسية في اللثم والقبلات والعناق الصادق الذي لا يعرفه لصوص الأخلاق، وحتى نبقى في هذه الأعياد الإنسانية الراقية، والتي نتمنى أن نقايضها بأغلب أعيادنا… يجمل بي أن أذكر أني شاركت صديقي الأوربي وزوجته في عيدهما، خصوصا لما قالت لي زوجته المستعربة إن الفرنسيات في عيد الحب يفضلن أن يهديهن أزواجهن أبياتا شعرية عوض هدايا مادية، وحسب آخر الإحصائيات فإن 65٪ يفضلن الأبيات الشعرية..!! أبعد هذا نستغرب نجاحات الضفة القريبة البعيدة..!!
هكذا تجاذبت أنا وزوجة الصديق قصة السؤال عن أصدق حب أهو الأول أم الأخير أم بينهما، وهكذا قالت إن أبا تمام قد فصل في هذا الأمر لما قال:
نقِّل فؤَادَك حيْثُ شئتَ منَ الْهَوَى
ما الحبُّ إلا للحبيب الأول
كمْ مَنْزل في الكَوْن يَألَفُهُ الفتَى
وحنينُه أبَداً لأوَّل منْزل
قلت لصديقتي المستعربة لقد عارض هذه الأبيات الشاعر الرائع "ديك الجن" لما قال:
نقِّلْ فُؤادك حيْثُ شئْتَ فلَنْ تَرى
كهَوًى جديدٍ أو كوصْلٍ مُقْبِل
محبَّتِي لمنْزلِي الَّذِي استَحْدثته
أمّا الذِي ولَّى فليْسَ بمَنْزلِي
بادرتني صديقتي الأوربية المستعربة بسؤال توقعته عن أي الموقفين أقرب إلي فأجبتها:
الحبُّ للْمَحْبوب ساعَة حُبِّه
ما الحبُّ فيه لآخِرِ ولأوَّلِ
يبقى فقط أن أقول: إنني تركت عمداً حصتي من ورود عيد أصدقائي… احتراما لورودنا المنسية …..!!
وكل أعيادٍ وأنتم……………!!
بقلم ادريس ابو زيد