في سنة 2013 وخلال صلاة أحد أيام الجمعة، تطرّق الخطيب والداعية الثري [محمد حسّان] لموضوع لم يكن له أيّ داعٍ أو لزوم، وهو موضوع [الفتنة بين الصحابة]، وهي مواضيع شائكة يتجنّب الخوض فيها كل الحكماء من الخطباء، وخاصة خطباء الجمعة.. وخلال خطْبته ذكر الشيخ الثري اسم [عمْرو بن الحَمْق الخُزاعي] وهو من قتَلة [عثمان] رضي الله عنه، وعلّق على اسم هذا الصحابي بعبارة [لعنهُ الله]؛ فثارت ثائرة المصلّين، وغضِبوا وامتنعوا عن الصلاة وراء [محمد حسّان] الذي تسبب في فتنة في المسجد بتطرّقه للفتنة بين الصحابة.. لقد غضب المصلون لأن [عمْرو بن الحمق الخزاعي] الذي لعنه [محمد حسان] هو صحابي رضواني، بايع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وهي البيعة التي تسمى [بيعة الرضوان].. صار [محمد حسان] يقسم بالله أنه لم يكن يعرف هذا الصحابي، ولم يكن يعلم أنه رضواني، يا سبحان الله! كيف نصدّق [حسان] وهو مؤلف كتاب [الفتنة] وكانت طبعتُه الأولى سنة [2007] وفي هذا الكتاب الذي قال عنه [حسان] إنه قراءة جديدة لاستخراج الحق من بين ركام الباطل؛ فاعتمد فيه أكاذيبَ [سيف بن عَمْرو التميمي] وهو مجرد إخباري كذّاب، وصاحب كذبة [القَعْقَاع] الذي لم يوجد قط، ولم يولد بعد بإجماع المؤرّخين..
هل كان من الضروري طرحُ موضوع الفتنة الكبرى في خطبة الجمعة والناس تختلف حول هذه الفتنة، وكل مسلم له منها موقف، وله فيها رأيٌ؟ سُئِل الإمام [الحسن البصري] عن هذه الفتنة، فأجاب: [تلك فتنة طهّر الله منها أسيافَنا، فلا نلطّخ بها ألسنتَنا].. ورُبّ متسائل يتساءل عن القصد من ذكر حادثة خطبة [حسان] وما أثارته من فتنة خلال صلاة الجمعة بسبب التطرق للفتنة، هو ما حدث يوم الجمعة 26 ماي 2017، خلال صلاة الجمعة بأحد المساجد في مدينة [الحسيمة]، حيث لم يجدِ الخطيبُ موضوعا لخطبته غير فتنة الحسيمة، أو ما يسمونه [احتجاجات مشروعة من أجل مطالب مشروعة]، وكل واحد يرى فيها ما يراه.. كان على الخطيب لو كان حكيما، ويدفع بالتي هي أحسن وأقوم، أن يغض الطرف عن أحداث الحسيمة وهو يخطب في صلاة آخر جمعة من شهر شعبان.. كان عليه أن يركّز على شهر رمضان، ويذكّر بأجره وفضله، وأن يحذّر من الغش، والمضاربة، واصطناع الندرة، واستغلال المسلمين باسم الدين؛ وأن يوصي بالحرص على اللسان، وضبْط النفس عند الصيام، رغم أن هذه المساجد ما صوّبت سلوكَنا، ولا قوّمت اعوجاجَنا، ولا هي سدّدت تربيتَنا، رغم غثائِيتها، وكثرة الأموال التي تُنْفَق عليها، وعلى القيّمين عليها، وعلى الفقهاء الخطباء فيها؛ ما كان على الخطيب مناقشة موضوع فيه مشاكل، وحوله اختلافٌ، وله قراءات وتحليلات متناقضة..
كان على خطيب يوم الجمعة أن يعمل بوصية الإمام [الحسن البصري].. كان على الخطيب أن يذكّر مثلا بما يحمله شهر رمضان من ذكريات تاريخية وجب الوقوف عندها، مثل ذكرى وفاة جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه في 10 رمضان للترحم عليه وقراءة القرآن.. ثم ذكرى ملحمة غزوة [بدر] المجيدة التي نصر الله فيها المؤمنين بعدما كانوا أذلّة.. كان على الخطيب أن يأمر المسلمين بتذكّر مفخرة [فتح مكّة] ثم تذكيرهم بأن في شهر رمضان نزل القرآن، وخلال هذا الشهر كان جبريل يراجع القرآن كلّه مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. كلها مواضيع كان على الخطيب تذكّرُها، وصياغةُ خطبة الجمعة بشأنها، اللهم إذا كانت خطبة الفتنة قد وردتْه مكتوبة من وزارة الأوقاف، وما كان للخطيب في الأمر خيار.. لو صحّ ذلك لالتمسنا له الأعذار.. لقد زار وفد وزاري مدينة الحسيمة، وظهر أن هذا الوفد لن يكون له أي تأثير إيجابي، لأن ثلثَيْ هذا الوفد هم من كذَبة الحكومة الفارطة والمشكَّلة من وجوه يعرفها الشعب، ويعرف إنجازاتها في دنيا الخيال، ويبغضها، فكيف له أن يثق بها اليوم والثقة كما يقال مثل الروح، إذا مضت، لا تعود.. قد رأينا كيف ذابت ثقة المواطن بالانتخابات، وخابت ثقتُه في الأحزاب؛ وكيف اختفت ثقتُه بالبرلمان؛ والآن في الحسيمة، لو كان للشعب بالمنتخبين ثقة لهان الأمر، ولما تفاقم الوضع، ولما عمّت الاضطرابات، والإضرابات، والاحتجاجات؛ ولكنْ كل هذه المؤسسات، إنما هي هياكل قائمة، وواجهات لامعة، لكن دون حياة، دون روح، دون عمل، والعمل هو أصل الثقة والأمل، هو المستقبل؛ وماذا عساك أن تأمله من مؤسسات عجّت بالضعاف، والمنتفعين، والانتهازيين، ومنظّفي خزينة الدولة، يزوّقهم، ويثني عليهم، ويعلي من شأنهم إعلامُ التضليل، ويزوقهم تلفزيون التجهيل، وقد صار الكذب من سماته حتى هجر المغاربة صندوق عجائبه وبهلوانياته.. إن سياستَهم هي التي خلقت [الزفزافي] وستخلق [زفازيفَ] عدة مستقبلا..