الحراك الاجتماعي بالحسيمة ونواحيها فضح الأحزاب السياسية، التي بدت أنها تأكل المال العام وتلهفه دون أن تقوم بواجبها المنوط بها دستوريا. التمويلات التي تحصل عليها الأحزاب السياسية هي مقررة وفق دفتر تحملات وليست ريعا تأكله القيادات وتوزعه على الأتباع، ولكن وفق ما تقوم به من أدوار مجتمعية، لهذا تم إقرار الدعم طبقا لقاعدة نتائج الانتخابات وقاعدة الأصوات والمقاعد لمعرفة درجة تفاعل الأحزاب مع الناخبين.
في حراك الحسيمة تبين أن الأحزاب السياسية موزعة إلى طرفين. واحد قدم استقالته ينتظر فشل الحكومة وكأنها ستفشل لوحدها وليس المغرب كله سيفشل، وينتظر أن ينتصر طرف على الآخر وكأننا في حرب وليس في معركة اجتماعية ترفع مطالب معقولة بقيادة غير معقولة وغير منسجمة ولا تتوفر على نية حل المشاكل، والطرف الثاني يتقاسم معه "الفرجة" غير أنه يصب الزيت على النار ويوجه اتهامات للحكومة حتى لو كان قائدا لها أو مشاركا فيها.
ما معنى أن تبقى الدولة في مواجهة مباشرة مع المحتجين؟ أليس في ذلك سقوط لدور الأحزاب وإسقاط لهيبة الدولة؟ لقد شاهدنا كيف تم تسطيح كل شيء خلال الأيام الأخيرة حتى تم رفض الحوار مع الحكومة بل هناك مطالب لا يعرف أحد كيف سيتم تحقيقها عندما يقول قائد الحراك "لن نحاور الحكومة حتى تستجيب لمطالبنا". كيف ستتم الاستجابة دون حوار؟ الله أعلم.
كان مفروضا في الأحزاب السياسية أن تكون وسيطا بين المجتمع والدولة، وأن تكون هي في طليعة من يقود الحراك بدل أن تكون تابعا لا قيمة له، بل إنها تدعم الحراك وقائده يلعنها صباحا مساء ويصفها بالدكاكين السياسية.
وبالإضافة إلى الأحزاب السياسية هناك منتخبون جلهم ينتمون لتنظيمات سياسية كبيرة وصغيرة. أين دورهم؟ أين اختفوا؟ ولماذا لا يظهرون إلا بعد أن تقع الفأس في الرأس؟ أين رئيس الجهة؟ أين رؤساء المجالس المحلية؟ أين النواب والمستشارون البرلمانيون الذين يمثلون الحسيمة ونواحيها؟ أين المنتخبون الجماعيون؟ أين الجمعيات المدنية التي تحصل على الدعم السنوي؟ ما هي أدوار كل هؤلاء؟ لماذا ظلوا يتفرجون على رجل غامض يقود حراكا منفلتا؟
هؤلاء مجتمعون مسؤولون عما يجري في الحسيمة والحكومة مسؤولة أيضا ومن كان يخفي المعلومات عن الجهات المسؤولة مسؤول أيضا.
سيقول البعض إن الأحزاب لم تعد قادرة على مواجهة المجتمع لأنه يتهمها بالخيانة. وهذا دفع مرفوض لأن هذه الأحزاب تخرج لدى الشعب خلال الانتخابات التشريعية وتصبر على المواجهة وعلى السب والشتم وتتمكن في النهاية من إقناع البعض. لماذا لم تخرج اليوم؟ ألأن القضية ليست انتخابية؟ أم ماذا؟
الأحزاب سواء كانت في المعارضة أو في السلطة، سواء كانت في رئاسة المجالس أم خارجها، سواء كانت مشاركة في الانتخابات أم مقاطعة لها تبقى هي أدوات الدفاع الشعبي الحقيقية وإلا سنكون أمام حالات شاذة شديدة التسطيح قد تقود الحراك نحو الهاوية.