المطالب المشروعة تحتاج إلى مفاوض ذكي وإلا تحولت إلى مجرد ظهر يركب عليه من يتقن الكلام حتى لو جهل أصول الخطابة. وبالتالي يتم طرح سؤال مشروع: من يمثل المحتجين؟ من يصيغ الملف المطلبي؟ ليست كل المطالب المرفوعة في الشارع يمكن أن تكون موضوعا للتفاوض، ولكن تحتاج إلى من يرتبها حسب الأولويات، ومن يفاوض من أجل انتزاعها.
اليوم نطرح السؤال: من يمثل سكان الحسيمة؟ قادة الحراك يقولون إن البرلمانيين والمنتخبين الجماعيين لا يمثلون المدينة. هؤلاء فازوا في انتخابات عامة أشرفت عليها لجنة الانتخابات، التي يترأسها قاضي وتشارك فيها الأحزاب بتمثليات محلية، وحتى من لديه طعون تقدم بها أمام الجهات المختصة.
نعم قد يكون هؤلاء مقصرون وقد يكون منهم من يصب الزيت على النار، ومنهم من هو منخرط في اللعبة القذرة، وسنتمسك بوجود لعبة يسميها البعض مؤامرة، لأنها لا تعني لنا أن المطالب غير مشروعة، ولكنها مشروعة ونصف، وهذا لا ينفي أن المطلب المشروع يجد من يتاجر فيه وهناك من يتاجر في الدين ويعقد الصفقات باسم الله فبالأحرى أن يعقدها باسم المطالب المشروعة.
قادة الحراك يرفضون منتخبين، مهما تكن ملاحظاتنا على الانتخابات وتصرفات المنتخبين، لكنهم يعطون الحق لأنفسهم في تمثيل المواطنين بالحسيمة فقط لأنهم وجدوا أنفسهم في منصة الكلام يرددون عبارات بغير رابط ويسبون ويشتمون، لكن لا يتوفرون على رؤية سياسية قادرة على إدماج المطالب الاجتماعية في سياق محكم.
من أعطى لهؤلاء حق تمثيلية المواطن الحسيمي؟ ومنهم عشرات بل مئات يرفضون وجوده أصلا؟ أليست هذه هي الدكتاتورية بأم عينيها يمارسها من أتيحت له سلطة رمزية لحظية، ويا ويل من رفع أصبعه لو أتيحت له سلطة يسندها القانون والسلاح.
إذن نحن أمام معادلة صعبة. منتخبون يمثلون الناخبين بنسب مختلفة مرفوضون من الحوار، ومتحدثون في الشوارع يفرضون أنفسهم على الجموع ويمثلونها دون أدنى آلية للاختيار.
ينبغي فك هذه المعادلة الخطيرة. منتخبون لا يمثلون الساكنة وغير منتخبين يمثلونها. من أي فضاء جاء هذا الفكر السياسي؟
إذا كان ولابد من رفض المنتخبين ديمقراطيا، وهذا ضرب للديمقراطية وللعملية الانتخابية، فلا بد من البحث عن آلية تنفيذية لاختيار من يمثل الساكنة، ولا نعتقد أن قادة الحراك يتوفرون على فكرة بسيطة بخصوص هذا الموضوع ولا يريدون طرحه نهائيا لأن شرعية الساحة تغنيهم عن شرعية الانتخاب.
نسي هؤلاء أن الساحات هي ميدان للتبسيط ولن تكون في يوم من الأيام مصدرا للشرعية، قد تكون مؤسسة لها، فالتنظيمات الثورية السرية كانت تجري انتخابات داخلية لاختيار قادتها، قد يبقى دائما لرمزيته لكنه منتخب. من انتخب هؤلاء وفي أي مكان؟ من منحهم صفة الحديث نيابة عن هذه الجموع؟
الديمقراطية تقتضي تمثيل الناس عن طريق آلية الانتخاب أما آلية الشارع فهي غير ممكنة لأنه بعد انتهاء الحوار قد تخرج لجنة أخرى وتقول إن اللجنة لا تمثلنا.