للجزائر معنا قصة طويلة وعريضة، قوامها أننا رفضنا الاعتراف باستقلالنا عن فرنسا قبل أن يستقل جارنا الشرقي هو كذلك.
لولانا، وهذه حكاية تاريخية يعرفها الأكبر سنا منا، لبقيت الجزائر ملاذا متوسطيا جنوبيا لفرنسا، ولبقيت الأقدام السوداء في وهران وتلمسان ولما كان بوتفليقة إلى اليوم رئيسا محنطا على رؤوس الأشهاد في العاصمة البيضاء الجزائر، يحكي قصص بومدين ويعتقد أن الحرب الباردة لازال قائمة، وأن الاتحاد السوفييتي سيهاجم عما قريب المعسكر الغربي وسيبيده
اليوم في الجزائر هناك مشكل عويص: خلاصته السريعة لئلا نطيل على الناس أن البلد غني جدا بالمقدرات الطبيعية لكنه فقير جدا بمخياله السياسي، لذلك هو يترنح
الانتخابات التشريعية التي مرت سجلت أكبر نسبة هزيلة في تاريخ أي اقتراع سياسي في الجزائر، الشباب هناك من يطلقون على أنفسهم لقب “الحيطيست“ لأنهم يتوسدون جدران مدن الجزائر من البطالة اليوم بطوله، مؤمنون ألا أمل في أي اقتراع يشارك فيه رئيس لابد من مده بكل أنواع المنشطات لكي يقوى على فتح عينيه
مداخيل الغاز والبترول تتراجع إلى أسوأ مستوياتها، ومن كانوا يعتقدون أن النفط دائم اكتشفوا أنه من الممكن أن يصبح رخيصا للغاية وأن تصبح الدولة المتكلة عليه اتكالا كاملا دولة فقيرة تسول لأجل سداد أجور موظفيها
الطبقة السياسية الجزائرية فهمت أن العسكر لن يطلقوا سراح البلد أبدا، لذلك أصبح الناس هناك يترحمون على أيام عباسي مدني وعلي بلحاج ويقولون “ياليتنا طبقنا نصيحة الراحل الحسن الثاني رحمه الله للشاذلي بنجديد يوم قال له (أعط الفيس الحكم وجربهم)، لأن كل الأحزاب اليوم لم تعد لها إطلاقا قدرة على الحديث مع الناس
ثم هناك صور الرئيس المسكين – شافاه الله وعافاه – وهو يمتطي الكرسي المتحرك كلما قلت الضرورة له أن يأتي لكي يلتقط صورا محزنة، أو لكي يمثل دور الحي، أو لكي يلعب مع شعبه لعبة الغميضة الشهيرة في مصر المعروفة في دول المغرب الكبير ب“الكاش – كاش” حيث الثعلب يظهر ويختفي مثل حيوان الكاتب المغربي زفزاف الشهير
في كل هذا الذي يقع، ووسط ركام الحزن المتكئ على العاصمة الجزائر يبدو المغرب عفيا، قادرا مرة على دخول الاتحاد الإفريقي من أوسع أبوابه، عبر خطاب تاريخي ولا أروع في أديس أبيبا تلك التي خرجنا منها ذات مرة بعد أن اقتنعنا أن القارة ذهبت ضحية تخطيط عسكر الجزائر والتي عدنا إليها من الباب الواسع هذه المرة
ثم مرة أخرى يبدو البلد السليم قدرا من خلال ديبلوماسية هادئة ذكية بعيدا عن أضواء الكاميرات، متلفعة في عطلة خاصة أن يعود إلى أمريكا اللاتينية = مرة ثانية من أوسع الأبواب – وأن يفتح كوبا فتحا حقيقيا وأن يمد الأيدي إلى كل الدول التي ترغب في لتعاون مع بلد مستقر آمن.
ثم مرة ثالثة من خلال مشاريع القرن الجديد مع القارة الإفريقية تلك التي كان البلد منها وإليها ، مع نيجيرا مرة من خلال أنبوب الغاز الذي قتل حكام الجزائر، ومع نفس النيجيريا مرة أخرى من خلال مشروع الأسمدة، ومع جنوب السودان ومع الغابون ومع مدغشقر ومع زامبيا ومع كل الدول التي بدأت تفهم أن الحكاية كلها مبنية على سوء تقدير آن أوان الانتهاء منه
لذلك عادي جدا أن تجلس الجزائر القرفصاء، أن تترك كل متاعبها والهموم وأن تراقب المغرب غما إلى أن تموت
مالايعرفه عدد كبير من الناس سواء في المغرب أو في الجزائر أو في غيرهما أن عددا كبيرا من صفحات التواصل الاجتماعي التي تعنى بشؤون الريف المغربي تكتب في الجزائر. ومالايعرفه عدد كبير من الناس هو أن التوجيه الصادر عن حكام المرادية هو “ألبوا الناس ضد المغرب، صوروا البلد وكأنه على شفا الحرب الأهلية، مظاهرات هنا وانتفاضات هناك، اتصلوا بالأجانب، قولوا لهم المغرب يغلي لعل وعسى ينسى الناس أن الجزائر تموت وأن رئيسها محنط يسير فوق كرسي متحرك“
الكل اليوم يعرف أن يدا جزائرية لعوبا تحرك مايقع في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي كلما حقق المغرب نصرا ديبلوماسيا أو اقتصاديا أو سياسيا جديدا إلا واخترعت له من المنغصات الشيء الكثير، لكن هذا الأمر لا يهم. المغرب بلد متواضع اقتصاديا، تصوروا لو كانت لديه مقدرات الجزائر الطبيعية والطاقية ما الذي كان ممكنا بذكائه أن يفعله؟
في الحسيمة التي تتحدث عنها الجزائر وإعلامها هناك رغم تواضع البلد اقتصاديا مروع منارة المتوسط ومشروع الميناء المتوسطي ومشاريع صناعة السيارات ومشروع السعيدة ومشاريع الطيران المدني، ومشاريع العقار وأشياء أخرى كثيرة. في الجزائر التي حباها الله بكل الخيرات ما المتوفر؟
لا شيء.
طبقة سياسية كسيحة تصدر كل كوارثها والعلل إلى الجار الغربي لعل وعسى أن ينسى الشعب هناك أن البلد غني جدا لكن الشعب فقير، ثم هناك هاته العقدة التاريخية تجاه المغاربة الذين لازال حكام الجزائر يسمونه “المراركة“ تطرح السؤال يوميا “علاش البركة حاضرة فبلاد المغرب وتختفي عندنا؟“
الجواب لدينا هنا واضح. الفوارق كبرى بين بلد يسمح لمواطنيه بالتظاهر وبين بلد يمنع منذ خمس وعشرين سنة المظاهرات والتجمعات في العاصمة الجزائر، وكلما تجرأ عدد من الناس وقالوا سنرفع الشعار إلا وأطلق عليهم العسكر الرصاص.
في المغرب لدينا تقليد قوامه أن الجميع يمكنه الذهاب إلى قبالة البرلمان ويمكنه الصدح يمايريد من شعارات ويمكنه أن يذهب بعد انتهاء المظاهرة إلى منزله أو إلى أقرب مقهى أو إلى أقرب مسجد لكي يستريح
علمتنا هاته النخوة المغربية أن البلد هو هو منبت الأحرار والحرائر من مستنشقي الحرية وأنه لايمكنك أن تفرض على الناس مايجب أن يصدحوا به من صراخ
علمتنا الحياة أيضا أن المغاربة قوم لم يكونوا عبيدا يوما ولن يكونوا. لذلك نتابع مايقع لدينا في أي مكان من المغرب بعين مغربية. نطالب بشيء واحد فقط: أن تضمنا الراية الوطنية تحت جناحيها وماتبقى نحن نستطيع الحديث عنه إلى آخر الأيام
هذا هو الفرق بيننا وبين الجزائر، لذلك نستطيع قولها بكل اطمئنان للجارة المحنطة وهي تحاول تمثيل دور السير على كرسيها المتحرك: آنستي المومياء، إرتاحي رجاء، المغرب بخير، نشكر لك اهتمامك بأحواله، نتمنى لك الاستيقاظ من غيبوبتك، والعودة يوما إلى الحياة…
AHDATH.INFO