لا يختلف اثنان في أن اتفاقية الغاز واتفاقية أسمدة الفوسفاط اللتين ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفل التوقيع عليهما أول أمس الإثنين بالرباط ستشكلان طريق حرير مغربية جديدة ونوعية، بين الرباط وأبوجا، ومنهما إلى باقي دول العالم الشريكة والصديقة وبالخصوص تلك التي في أوروبا، لتعود بالنفع على كل دول إفريقيا التي استوعبت الدرس المغربي الذي أطلقه جلالة الملك في إطار سياسة رابح - رابح عبر فلسفة التعاون جنوب - جنوب المبنية على العلاقات المتينة التي هدفها تنمية الشعوب الإفريقية أولا وجعل القارة السمراء، في مجملها، سوقا اقتصاديا موحدا كبيرا قد لا يواصل تبعيته المطلقة إلى الشمال.
لا شك أن الاتفاقيتين ثمرتَان إيجابيتان للزيارة الملكية السامية الأخيرة إلى أبوجا التي دشن من خلالها قائدا البلدين مبدأ التعاون بين بلد مصدر للنفط والغاز وآخر مصدر للفوسفاط ، حيث خططا المضي في هذا التعاون ليشمل مجالات مختلفة، وسطّرا ألا يتوقف على صعيد ثنائي في المستقبل، وإنما يتعداه إلى ما هو قطبي وإقليمي ثم إلى قاري يعود بالنفع العميم والمتنوع على كافة الشعوب في القارة السمراء، خصوصا بالدول التي مازالت تعاني من الفقر والهشاشة والركود الاقتصادي وآمنت بأن المملكة الشريفة أصبحت القاطرة الحقيقية التي لا بد وأن تجر معها، جنبا إلى جنب مقطورات كل الدول التواقة إلى الانبعاث الاقتصادي والتنموي الاجتماعي الشامل.
ولِمَ لا يكون المغرب قاطرة هذه الدول التي أخذت تتسابق إلى الاتفاق معه، ليس في المجال الاقتصادي والتنموي فقط وإنما السياسي والديبلوماسي، وهي التي تنفست الصعداء بعد عودته إلى مكانه الطبيعي في "منظمة" الاتحاد الإفريقي، بعدما تأكدت أن المغرب شكل ويشكل الاستثناء في كل شيء، وأصبح ذا مكانة في المنتظم الدولي وكلمة مسموعة أيضا، كما تأكد لها بالملموس أن هذا الاستثناء لا يتوقف عند إشعاعه الآمن والاستقرار من عقر داره إلى باقي دول المنطقة في الساحل جنوب الصحراء، ومنها إلى باقي إفريقيا أصبح نموذجا ومرجعا في الأمن العام والأمن الروحي والأمن الغذائي، بل تأكد لها أن المملكة بمقدورها بحنكة جلالة الملك وحكمته وتبصره قادرة فعلا على أن تبني جسورا للحرير، انطلاقا من موقعها الاستراتيجي الإيجابي في اتجاه كل القارات، أقربها دول أوروبا التي تعد في غالبيتها الشريك الأول لمعظم دول إفريقيا، وأقصاها الصين والهند واليابان التي أبدت الاستثمار والتعاون المتعدد في القارة الإفريقية لكن شريطة أن يكون المغرب هو بوابة هذا الاستثمار.
وإذا كانت اتفاقيتَا المشروعين اللذين يشكلان تجسيدا بليغا لدبلوماسية الفعل والقول، وتجليا آخر لرؤية جلالة الملك تجاه قارة إفريقية متحكمة في مصيرها وواثقة في مستقبلها فإنهما سيكون لهما وقع إيجابي، يكفي هنا أن نذكر أن مشروع أنبوب الغاز سيكون له أثره الإيجابي الكبير، عند بداياته الأولى، على أزيد من 300 مليون نسمة، مشكلا ورشا كبيرا لتسريع مشاريع كهربة منطقة غرب إفريقيا برمتها، بما يؤسس لإحداث سوق إقليمي تنافسي للكهرباء.
نعم، على دول إفريقيا أن تفرح بمثل هذه المشاريع، وأن تفتخر بأن يكون المغرب هو قاطرتها وقائدها إلى عالم التنمية الاقتصادية الشاملة والرقي الاجتماعي، وهو البلد الذي أثبت الواقع أنه بمختلف أوجه التقدم الذي أحرزه والخبرة التي راكمها بالعديد من المجالات، وعلى رأسها النقل واللوجستيك والبنيات التحتية والطاقات المتجددة، تجعله فعلا مؤسسا لطريق حرير مغربية إفريقية، وما اتفاقية أنبوب نقل الغاز نيجيريا - المغرب، واتفاقية الأسمدة إلا بداية هذا الطريق لأن المقبل سيكون أكثر وأكبر..