افتتاحية النهار
بعد غد سيتوجه المغاربة لصناديق الاقتراع قصد اختيار برلمان جديد، ومن الأكيد أن هذا الاستحقاق سيفرز أغلبية ومعارضة، ومن داخل الأغلبية هناك حزب فائز بالرتبة الأولى، ودستوريا سيختار الملك رئيس الحكومة من الحزب المذكور، الذي سيكون عليه اختيار أغلبيته وحكومته، وينص الفصل 47 من الدستور على أن "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها". فلماذا إذن شدد النص الدستوري على أن الملك يختار رئيس الحكومة من الحزب الذي يفوز بالمرتبة الأولى؟ ولماذا لم يشترط أن يكون زعيم الحزب أو رئيسه؟ فالملك هو رجل الدولة الأول في البلد، والملك ينشأ وينمو ويتربى ويدرس على أن يكون ملكا. ذات يوم كان جاك شيراك، زعيم التجمع من أجل الجمهورية الديكولي، عمدة لباريس، وكان الملك الراحل الحسن الثاني في زيارة رسمية لفرنسا على عهد الراحل فرانسوا ميتيران، وفي بروتوكول الزيارة كان هناك حفل عشاء يقيمه العمدة على شرف الملك وضيوفه، وفي حفل العشاء قام شيراك خطيبا، يقرأ من ورق مكتوب، وقام الحسن الثاني يرتجل كلمة بالمناسبة، وكانت الكلمة المرتجلة أفضل من المكتوبة، وفي الغذ سئل شيراك عن هذا السر، فرد على الصحافة الفرنسية التي سألته، أنا مواطن فرنسي كان يمكن أن أكون معلما أو موظفا أو حتى لصا، لكن الحسن الثاني ولد في بيت ملك ونشأ وتربى ليكون ملكا. الملك يعني أنه مواطن يتدرج في كل مراحل حياته ليكون رجل الدولة الأول. فهو المواطن الذي يتشرب منذ ولادته حماية بلاده والغيرة عليها، وهو الذي يحمل أسرارها. وبالنتيجة الملك هو العلبة السوداء للدولة. وبهذه الصفات لا يمكن للملك أن يفرط في شبر واحد ولا يمكن أن يفرط في حق مواطن واحد من مواطني البلد. والملك بكل هذه الدلالات حامي البلد من كل ما من شأنه أن يخلق توترا مع الجيران أو داخل البلد. ونعود للدستور والسؤال المطروح لماذا الملك يختار رئيس الحكومة من الحزب الذي يفوز بالرتبة الأولى؟ لأن المغرب في بداية الممارسة الديمقراطية، فرغم أن المغرب شكل استثناء ورغم أنه عرف الدولة منذ 12 قرنا وقرنا تقريبا على بداية الاحتكاك بمفهوم الدولة الحديثة، والتعرف على الملامح الدستورية الجديدة والقانونية مع الملك الراحل محمد الخامس الذي في عهده تم إقرار ظهير الحريات العامة ومع الحسن الثاني في فصل السلط، وفي بناء مؤسسة تشريعية تفرز نخبا سياسية مؤهلة للحكم ولتدبير الشأن العام، فرغم كل ذلك فإن المرحلة الجديدة متميزة. فمع الدستور الجديد دخل المغرب مرحلة جديدة في تأهيل الفاعل السياسي للحكم، وإذا كان الملك رجلا تربى من أجل أن يكون رجل الدولة الأول، فإن السياسي لا يتربى على ذلك ولكن يتأهل لكي يكون رجل دولة ولممارسة السياسة وتدبير الشأن العام. وهناك فرق شاسع بين من يتربى على الشيء ومن يتأهل له. فمهما يكن لا يمكن ائتمان الفاعل السياسي مائة بالمائة على مصير البلاد دون أن تكون هناك ضمانات دستورية وقانونية لحماية البلاد من أي انزلاق يحدث في تدبير الشأن العام سواء على مستوى التسيير أو مستوى الأمن أو الديبلوماسية أو غيرها. وبهذا المعنى لا بد أن يكون للملك أيضا متسع من الاختيار ليصطفي رئيس الحكومة الذي يشترك معه في الحكم بصلاحيات واسعة لا يمكن منحها لهاوي سياسة أو لمتطفل أو لأشخاص لم يجربوا حتى تدبير مجلس جماعي أو احتلوا وظيفة عمومية و و و. وأطال الله في عمر شيراك الذي قال للصحفيين الذين أعجبوا بفصاحة الحسن الثاني إنه تربى ليكون ملكا، وهكذا ابنه محمد السادس الذي تربى بدوره ليكون ملكا.