اعتبر توفيق بوعشرين، مدير أخبار اليوم، أن العقيدة السياسية لحزب العدالة والتنمية وأطروحته الرئيسية هي البناء الديمقراطي. يقصد طبعا البيجيدي على عهد عبد الإله بنكيران، الذي ما زال أمينا عاما بالتمديد. أما العثماني، الذي كان يصفه بالديبلوماسي الأول أيام كان وزيرا للشؤون الخارجية والتعاون، فقد جعل من العدالة والتنمية حزبا في خدمة الدولة.
"العقيدة السياسية" مفهوم. والمفهوم ليس أداة للتعبير وإنما أداة للتحليل. وقد تم استعماله في افتتاحية بوعشرين "شلل العقل السياسي للبيجيدي" بالمعنى الأول. فاعتبار العدالة والتنمية يتبنى عقيدة سياسية هي البناء الديمقراطي يتطلب تمحيصا لتاريخ ولادة هذا التنظيم ونموه إلى مرحلة وصوله إلى الحكومة. هل يتوفر هذا الحزب أصلا على عقيدة سياسية ناهيك عن أن تكون هذه العقيدة هي البناء الديمقراطي؟
العقيدة السياسية هي مجموع تفكير وسلوك وبرنامج وأدوات لهدم أوضاع قائمة وبناء أوضاع جديدة وفق قواعد مغايرة، ويلعب فيه البرنامج السياسي دور العامل الحاسم في بناء مرحلة تؤدي إلى مرحلة أخرى، ومراكمة مجموعة من الإنجازات في اتجاه تحقيق الاستراتيجية الكبرى. وأصبح من الصعب إيجاد تمايز بين العقيدة السياسية والإيديولوجية السياسية.
الحديث عن عقيدة سياسية يتطلب المعرفة الأولية بمرتكزات هذا الحزب، وهل استطاع خلال مسيرته تحديد مفهوم للدولة والمجتمع والمؤسسات، لا في أفق تغييرها جذريا ولكن من أجل ملء الجيوب الفارغة، ولعل الحزب استعاض عنها بملء جيوب مناضليه من خلال التمكين لهم عبر قانون "ما للملك وما لرئيس الحكومة"، وهو بالمناسبة أول قانون تنظيمي أخرجته حكومة بنكيران للوجود.
لا يمكن الحديث عن وجود عقيدة سياسية لدى حزب سياسي نشأ ملتبسا ورافق الالتباس نشأة الحركة التي تولد عنها. هل كانت لدى مؤسسي الحزب فكرة عن الدولة الوطنية وهم ينفصلون عن حركة الشبيبة الإسلامية التي نشأت في جو الدعوة إلى الخلافة الإسلامية؟ والانفصال هنا لتوصيف حالة كما يريدها أصحابها لكن بمفهوم اللعبة فبنكيران كان يواصل من خلال الجماعة الإسلامية صفقته مع عبد الكريم مطيع.
العقيدة السياسية عنوان للتأسيس وحتى لو اندثرت مع الوقت أو تغيرت تبقى طقوسها. وقد يتجلى جزء من هذه العقيدة في رسالة بنكيران، الذي لا يرى بوعشرين زعيما غيره، إلا إدريس البصري، الوزير القوي في الداخلية، التي يقول فيها "وزيادة في التوضيح، معالي الوزير، فإني سأقسم هذه الرسالة إلى قسمين أولهما عن الشبيبة باعتبارها الجمعية الأولى التي عملنا في إطارها وثانيهما عن جمعية الجماعة الإسلامية.
نشاط هذه الجمعية يقوم على دعوة الناس عامة والشباب خاصة إلى الالتزام بالإسلام باعتباره شاملا لحياة الإنسان والمجتمع من حيث العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات، ووجدت هذه الدعوة في تلك الأيام إقبالا كبيرا من الشباب وخصوصا بعد أن تصدى الشباب المسلم الملتزم للشباب اليساري في الثانويات والجامعات ورجعت الثقة بالنفس إلى الشباب المتدين عامة وأقبلوا على جمعية الشبيبة الإسلامية في كل أطراف البلاد، فعمد رئيس الجمعية إلى تنظيم هؤلاء الشباب في مجموعات يلتقي أفرادها بانتظام يتدارسون القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى اللّه عليه وسلم وبعض كتب الثقافة الإسلامية المتوفرة في المكتبات".
يمكن ملاحظة طقوس هذه العقيدة في تصرفات وسلوكات بنكيران، ونزوعه نحو الهيمنة جزء منها. التصدي للشباب اليساري هو أهم مدخل للجماعة للعمل.
هل كان البناء الديمقراطي أساس ظهور هذه المجموعة؟ ويمكن لبوعشرين، الذي له انتماء سابق للحركة الإسلامية، أن ينتبه إلى الإصرار على تسمية برلمان التوحيد والإصلاح بمجلس الشورى. هل كانت الديمقراطية أصلا جزءا من أفكار هؤلاء؟
لقد نشأ حزب العدالة والتنمية نشأة ملتبسة. كانت المجموعة، التي يقودها بنكيران، تبحث عن منفذ سياسي لتحقيق التمكين. منفذ كيفما كان. وجاء الانخراط في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية كأداة وظيفية في خدمة الجماعة.
كانت لدى بنكيران ومن معه طموحات أخرى غير ما وصلوا إليه. لم يقوموا بمراجعات فكرية عكس ما يزعمون. كان هاجسهم البحث عن منفذ. توسع هذا المنفذ مع الزمن وأصبح حزبا كبيرا أو منتفخا. لكن التباس النشأة ظل مرافقا له، لهذا يبقى حزبا بلا هوية ولا طعم فبالأخرى أن تكون له عقيدة سياسية.