تعتبر مذكرات مستر هامفر الجاسوس البريطاني مادة توثيقية مهمة حول تخطيط بريطانيا لإنشاء مذهب إسلامي، الغاية منه التحكم في حياة الشعوب، ويعتبر هذا المذهب هو المنبع الأول للتنظيمات التكفيرية وعلى رأسها النصرة وداعش، وتعميما للفائدة ننشر على حلقات مذكراته، التي يتوافق ما جاء فيها مع ما جاء في كتاب شقيق مؤسس هذا المذهب "الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية".
ابن عبد الوهاب ضالة مستر همفر.
نعرف مستر همفر علي ابن عبد الوهاب :
ولما كنت هناك علي هذا الحال فقد كنت تعرفت على شاب كان يتردد عل هذا الدكان يعرف اللغات الثلاث : التركية والفارسية والعربية ، كان في زي طلبة العلوم الدينية ، وكان يسمى ب ( محمد بن عبد الوهاب) وكان شابا طموحاً للغاية عصبى المزاج ، ناقماً علي الحكومة العثمانية ، أما حكومة فارس فلم يكن له شأن بها ، وكان سبب صداقته مع صاحب المحل ( عبد الرضا ) أن الاثنين كاناً ناقمين على الخليفة .
إني لا أعلم من أين كان هذا الشاب يعرف اللغة الفارسية – مع أنه كان من أهل السنة - وكيف صادق مع ( عبد الرضا الشيعي ) ؟ إلا أن كلاً الأمرين لم يكن غريباً ، ففى البصرة يلتقي السنى بالشيعى وكأنهما أخوة ، كما يعرف كثير من القاطنين في البصرة اللغتين الفارسية والعربية ، وأن كثيراً منهم يعرف أيضاً اللغة التركية .
ابن عبد الوهاب وأهل السنة والشيعة :
كان محمد عبد الوهاب شاباً متحرراً بكل معنى الكلمة ، لا يتعصب ضد الشيعة ، كما كان هو الحال عند غالب أهل السنة حيث يتعصبون ضد الشيعة حتى أن جماعة من مشايخ أهل السنة يكفرون الشيعة ويقولون إنهم ليسوا مسلمين – كما أنه لم يكن يرى أي وزن لاتباع المذاهب الأربعة المتداولة بين أهل السنة ويقول : إنها ما أنزل الله بها من سلطان .
وقصة المذاهب الأربعة هي : أن السنة من المسلمين – بعد أكثر من قرن من موت نبيهم – نبغ فيهم أربعة علماء هم ( أبو حنيفة ) و ( أحمد بن حنبل ) و ( مالك ) و ( محمد بن إدريس ) فألزمهم بعض الخلفاء بأن يقلدوا أحد هؤلاء الأربعة ، وأنه ليس لعالم من العلماء أن يجتهد في القرآن وسنة الرسول .
وهذا فى الحقيقية كان غلقاً لباب فهمهم ، وإلي هذا التحريم للاجتهاد يعزي جمود المسلمين ، وقد أنتهزت الشيعة هذه الفرصة لنشر مذهبهم علي أوسع نطاق ، حتى أنه بعد أن كان عدد الشيعة لا يبلغ عشر عدد السنة ، أخذ عددهم في ازدياد فأصبح عددهم بعدد أهل السنة ، ومن الطبيعي أن يكون كذلك ، فإن الاجتهاد تطوير في فقه الإسلام ، وتجديد لفهم القرآن والسنة علي ما تتطلبه حاجات الزمان كالسلاح المتطور ، بخلاف حصر المذهب فى طريقة خاصة ، وغلق باب الفهم ، وسد السمع عن نداء حاجات الزمان ، فإنه كالسلاح البالي ، وإذا كان لك سلاح بال ولعدوك سلاح متطور لابد وأن يغلب عدوك عليك إن عاجلاً أو أجلاً .
وإنى أظن أنه سيأتي يوم قريب يفتح عقلاء أهل السنة باب الاجتهاد ، وإلا فإني أبشر أهل السنة بأنه لا تمضى قرون إلا وتكون السنة أقلية وتكون الشيعه أكثرية .
أبن عبد الوهاب يضرب بآراء الصحابة والمذاهب :
وكان الشاب الطموح ( محمد ) يقلد فهم نفسه في فهم القرآن والسنة ، ويضرب بآراء المشايخ ، لا مشايخ زمانه والمذاهب الأربعة فحسب ، بل بآراء أبي بكر وعمر أيضا عرض الحائط ، إذا فهم هو من الكتاب علي خلاف ما فهموه ، وكان يقول : إن الرسول قال : " إني مخلف فيكم الكتاب والسنة " ولم يقل إني مخلف فيكم الكتاب والسنة والصحابة والمذاهب ، ولذا فالواجب اتباع الكتاب والسنة ، مهما كانت آراء المذاهب والصحابة والمشايخ مخالفة لذلك .
وقد جري بين وبين أحد علماء فارس الذي كان ضيقاً عند ( عبد الرضا ) علي مائدة الطعام التي ضيفنا عليها ( عبد الرضا ) في داره ، وكان محمد ، والشيخ جواد القمي ، وهذا هو أسم ذلك العالم الشيعي – وأنا وبعض أصدقاء صاحب البيت ، أقول : جري بين ( محمد ) و ( الشيخ ) حوار عنيف لم أحفظ كله ، وإنما حفظت متقتطفات عنه .
قاله له ( القمي ) : إذا كنت أنت متحرراً ومجتهداً – كما تدع فلماذا لا تتبع عليا كالشيعة ؟
( قال محمد ): لأن علينا مثل عمر وغيره ليس قوله حجة ، وإنما الحجة الكتاب والسنة فقط .
( قال القمي ) : ألم يقل الرسول ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) إذا ففرق بين علي وبين باقي الصحابة .
( قال محمد ) إذا كان قول علي حجة فلماذا لم يقل الرسول : كتاب الله وعلي بى أبى طالب ؟.
قال القمي : بل قال حيث قال ﴿-;- -;- وآله﴾-;- " كتاب الله وعتزتى أهل بيتي " ( وعلى ) سيد العترة فأنكر ( محمد ) أن يكون الرسول قال ذلك ، لكن ( الشيخ القمي ) جاء إليه بأدلة مقنعة حتى سكت ( محمد ) ولم يحر جواباً .
لكن ( محمداً ) أعترض عليه وقال : إذا قال الرسول : كتاب الله وعترتي فأين سنة الرسول ؟
قال ( القمى ) سنة الرسول هي شرح لكتاب الله ، فلما قال الرسول:
( كتاب الله وعترتي ) أراد كتاب الله بشرحه الذي هو السنة ( قال محمد) أليس كلام العترة أيضاً شرحاً لكتاب الله ؟ فما الحاجة إليهم ؟
( قال القمى ) لما مات الرسول احتاج الأمة إلي شرح القرآن شرحاً يطابق حاجيات الزمن ، ولذا فالرسول أرجع الأمة إلي الكتاب كأصل وإلي العترة كشراح له فيما يتجدد من حاجات الزمن .
لقد أعجب أنا بهذا البحث أيما إعجاب ، ورأيت أن ( محمداً ) الشاب أمام ( القمي ) الشيخ الطاعن في السن كالعصفور في يد الصياد لا يتمكن تحركاً .
ابن عبد الوهاب صيد مستر همفر :
لقد وجدت في ( أبن عبد الوهاب ) ضالتي المنشودة ، فإن تحرره وطموحه وتبرمه من مشايخ عصره ورأية المستقل الذي لا يهتم حتى بالحلفاء الأربعة أمام ما يفهمه هو من القرآن والسنة كان أكبر نقاط الضعف التي كنت أتمكن أن أتسلل منها إلي نفسه .
وأين هذا الشاب المغرور من ذلك الشيخ التركي الذى درست عنده في تركيا فإنه كان مثال السلف كالجبل لا يحركه شئ ، إنه كان إذا أراد أن يأتي بأسم أبي حنيفة – وكان الشيخ حنفى المذهب – قام وتوضأ ثم ذكر أسم أبي حنيفة ، وإذا أراد أن يأخذ كتاب ( البخارى ) – وهو كتاب عظيم عند أهل السنة يقدسونة أيما تقديس – قام وتوضاً ثم أخذ الكتاب .
أما ( الشيخ ابن عبد الوهاب ) فكان يزدري بأبي حنيفة أيما ازدراء ، وكان يقول عن نفسه ( إننى أكثر فهماً من أبى حنيفة ) وكان يقول : ( إن نصف كتاب البخارى باطل ) .
لقد عقدت بيني وبين ( محمد ) أقوي الصلات والروابط ، وكنت أنفخ فيه بأستمرار ، وأبين له أن أكثر موهبة من ( على وعمر ) وأن الرسول لو كان حاضرا لاختبارك خليفة له دونهما ، وكنت أقول له دائماً ، آمل من تجديد الإسلام علي يدك فإنك المنقذ الوحيد الذي يرجى به أنتشال الإسلام من هذه السقطة .
كيف يلقن مستر همفر صنيعه أبن عبد الوهاب :
وقد قررت مع ( محمد ) أن نتناقش في تفسير القرآن علي ضوء أفكارناً الخاصة ، لا علي ضوء الصحابة والمذاهب والمشايخ – وكنا نقرأ القرآن ونتكلم عن نقاط منها ، كنت أقصد من ورائها إيقاع ( محمد ) في الفخ وكان هو يسترسل في قبول آرائى ليظهر نفسه بمظهر المتحرر ، وليجلب ثقتى أكثر فأكثر .