يقولُ المنطقُ الاقتصاديُ منذ الأزلِ إن ثمّة رابحٍ في معادلةٍ يكونُ طرفُها الآخرُ قد تجرّع من كأسِ الخسائر، فحينما تجتاحُ سيولٌ قريةً نائيةً يُصابُ أصحابها بأضرارٍ جسيمةٍ من جرّاء فقدانهم ذويهم ومنازلهم وماشيتهم، فإن ذلك يقابلهُ تحقيقُ استفادة يُسرعُ لاغتنامِها أولئكَ العاملينَ في قطاعاتِ التشييدِ والنقلِ والتمويلِ وبعضُ ممتهني الحرفِ المتنوعةِ الأخرى الذي يرونَ في تلك الحادثة تجلياً لما أوردهُ المثل القديمِ "مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ".
ذلك المنطقُ لم يبدّل طبيعتهُ منذ خلق البشرية، فقد وجدَ الشعراءُ العربُ في عصر الجاهلية الأولى لأنفسهم مكانةً رفيعةً ومصدرَ رزقٍ حينما أُحيلت إليهم مهمةُ هِجاءِ من ينصبُ العداءَ لأقوامهم، رغمَ ما تخللتهُ معاركُ داحسُ والغبراءُ والبسوسُ من خسائرَ بشريةً وماديةً فادحة، وهو أمرٌ لا يكادُ يختلفُ كثيراً عما نشهدهُ في عاصِرنا، فقد جنت "فايزر" و"باير" و"نوفارتس" وبقيةُ شركاتِ صناعةِ الأمصالِ والأدويةِ مكاسبَ لا حصرَ لها حينما أسنِد لها مهمةَ إيجادِ الحلولِ الكفيلةِ بمواجهةِ مجموعة الأمراضِ والأوبئةِ التي تتفشّى بين الفينة والأخرى في عالمِنا الثالثِ .
وحينما نتحدثُ عن تلكَ العلاقة الجدليةِ بين المتضررِ والمستفيد، لا يمكنُ لنا حصرُ الأمثلةِ التي يجوزُ سوقها لبرهنةِ سلامةَ تلكَ المعادلة، فهي لا تبدأ حتماً مع الدورِ الذي لعبتهُ شركاتُ النفطِ والتعدينِ الكبرى في تبديلِ قياداتٍ افريقية ولاتينية، ولا تنتهي ببيعِ أسلحة الولاياتِ المتحدة لطرفيّ الصراعِ في حربِ الخليجِ الأولى، التي قال مستشارُ الأمن القومي ووزير الخارجية الأسبق والداهية الاستراتيجية هنري ألفريد كسنجر في خضمّها: "نريد حرباً لا ينتصرُ فيها العراق ولا تنهزم بها إيران"، إذ أن طولَ أمدها يتسببُ باستنزافِ طاقةِ وأموالِ البلدينِ النفطيين ويعززُ مبيعاتِ الشركاتِ الأميركيةِ المنتجةِ للطائراتِ والمدافعِ والراداراتِ والصواريخِ.
بمغادرتهِ البيتَ الأبيض عام 2010، تركَ رئيسُ الولاياتِ المتحدةِ الأسبق جورج دبليو بوش إرثاً ثقيلاً لخلفهِ باراك أوباما، فقد تسببَ خوضُ الأولِ -خلال فترتيّ حكمه- لسلسلةِ مواجهاتٍ عسكريةٍ مباشرةٍ خارجَ حدودِ بلاده، في تكبيدِ هذهِ الأخيرةِ بمجموعة إصاباتٍ بشريةٍ وماديةٍ، مبدداً تلكَ المكتسبات التي أورثها لهُ سلفهَ بيل كلينتون الذي يُعتبر عهدهُ الأفضلَ في تاريخِ الدولةِ المسيطرةِ على تسييرِ شؤونِ العالم، والذي أدارَ الملفاتِ الخارجيةِ بطريقةٍ حصيفةٍ غير مكلفةٍ على جيبِ دافعِ الضرائبِ من قبيلِ الاكتفاءِ بحظرِ الطيرانِ في مناطقٍ محددةٍ مِن العراق، دون أن يضطرَ لإقحامِ واشنطن في مواجهةٍ حربيةٍ كما فعلَ كلاً من بوش الأب والابن المنتميان لعائلةٍ نفطيةٍ مشهورةٍ في تكساس.
ما إن نزلَ الديمقراطيُ الأسمرُ صاحب الكاريزما العالية وأسرتهِ في البيتِ الأبيضِ مطلعَ العقدِ الحالي، سارعَ من فورهِ لإعادةِ ترتيبِ الشأنِ الداخليّ للقوةِ الاقتصاديةِ العالميةِ الضاربةِ التي تُعاني من تفشّي نسب البطالةِ وتراكمِ طلباتِ إعانات أولئكَ الذين لم يعثروا للعملِ سبيلاً.
وجدَ أيضاً تدهوراً في مؤشرات الإقراضِ المتعثر بسبب سوقيّ الإسكانِ والعملِ المتداعيين، لكنه كان متيقناً ومتيقظاً لمخاطرِ عدم إرضاءِ بعضِ جماعات الضغط التي تُمثّل الصناعاتِ العسكريةِ، إذ أن عدم تلبية متطلباتِ هذهِ الأخيرةِ، سيكلفهُ أثماناً باهظةً لا تنحصرُ فقط في وقف دعمها له وإضعافِ فرصهِ المستقبليةِ في الظفر بدورةٍ رئاسيةٍ جديدة، خصوصاً وإن هذه الصناعةِ تسهمُ إلى حدٍ بعيدٍ في ضمانِ التفوقِ التكنولوجي وخلقِ فرصَ عملٍ جديدةٍ من شأنها المساهمةُ بإطفاءِ جذوةِ أزمةِ البطالة.
لكنَّ دولةً عظمى بهذا القدرِ لن تعدمَ الحلولَ الكفيلة بالإبقاءِ على هيمنتها ومصالِحها الخارجيةِ بحجةِ انكفائها للداخلِ لمعالجةِ أزماتها الاقتصادية، فهي بلادٌ تتقدمُ بوتيرةٍ تفوقُ أي تراكمٍ تحققهُ نظيراتها التي تدّعي منافستها، هي تُدرك بأن لديها الأدواتِ التي من شأنها إمساكُ الخيوطِ الداخليةِ والخارجيةِ ضماناً للإبقاءِ على مكانتها، حتى وإن تطلبَ الامرُ قيامها بذلك عن بعدٍ في عصرٍ تزامن فيه وصول أوباما لسدةِ الحكمِ مع تصديرِ واشنطن القدرَ الذي أرادتهُ لغيرِها من وسائلِ الاتصالاتِ وتكنولوجيا المعلومات.
تدركُ الولاياتُ المتحدةُ والمتابع للشأن الدولي، بأن الجحافلَ البرية كانت صاحبةَ الحسمِ خلال الحربِ العالميةِ الأولى، ثم باتَ الطيرانُ مالكُ الكلمةِ الفصلِ في الثانية، فلمَ لا تحركُ واشنطن قِواها وتأثيراتها التقنيةِ في معالجةِ ملفاتِها الخارجية؟، إذ أنّ ذلك سيضمنُ لأوباما عدمَ التفريطِ بالقدراتِ البشريةِ والماليةِ، على أن يبدو دور إدارته مستتراً باعتبارها عاكفةً على حلِّ أزمات البلادِ الداخلية.
هذا السيناريو يحملُ معهُ سلسلةِ مكاسبٍ غيرَ منظورة، إذ تحوّلت الولاياتِ المتحدةِ طرفاً غير فاعلٍ في الملفاتِ العالميةِ والشرق أوسطيةِ، وأفلحت بمرورِ الوقتِ في تغييرِ سمعتها السيئةِ ومشاعرِ الكراهيةِ التي ترسخّت في أذهانِ العامةِ حيالها في أعقابِ سنواتِ حكم بوش الابن.
فبعدما كان يُنظر إلى واشنطن في منطقتنا بمنظارِ القوةِ الإمبريالية، باتَ العربُ أنفسهم يرونَ فيها المخلصُ والمنقذُ الوحيدُ القادرُ على حلِّ أزماتهم في سوريا والعراق وليبيا واليمن وسواها، وهو ما يمثل نجاحاً يُحسب لأوباما الذي استطاع تغييرَ تلكَ القناعاتِ السلبيةِ التي تكوّنت في عهد سابقه إزاءَ بلاده.
لكن الأسئلة كثيرة تلك التي تتبادرُ للأذهان في هذا الصدد، فما هي العلاقة التي تربطُ العالمَ العربي بفترةِ حكمِ أوباما؟ وما شأنُ الأخيرُ في التحوّلات التي شهدتها بلادَنا التي لا صلةَ مباشرةً لها بالأزمةِ الاقتصاديةِ التي استبدت بالولايات المتحدة في أواخر سنوات حكم بوش الإبن الذي بدا جلياً بأنّه أكثر استعداءً ومواجهةً لبلادنا مقارنة بخلفِه؟، وما علاقةُ النفطِ والغازِ والأسلحةِ والتكنولوجيا في هذا الشأن؟
وقبلَ سردِ الكيفيّة التي لجأت إليها إدارةُ أوباما لحلِّ أزماتِ الولاياتِ المتحدةِ الاقتصادية، قد ينبري أحدهم معترضاً على هذا الطرحِ الذي يراهُ ملازماً ومجسِداً لنظريةِ المؤامرةِ غير الواقعية، وحينها سأطالبهُ بالعودةِ لاقتفاء أثر الطريقة التي احتالت فيها واشنطن على القارةِ الأوروبيةِ بعد الحربِ العالميةِ الثانيةِ وذلكَ من خلال طرحِها وتطبيقها لخطةِ "مارشال" مقابلَ اخضاعِ بلدانِ القارةِ العجوزِ لدولاراتِها غير المُغطاةِ بالذهب.
أولاً: كانت الاستخبارات الأميركية -مع تسلّم أوباما مقاليد حكم بلاده- على يقينٍ تامٍ بحالتي الإحباطِ والغليانِ اللتان أصابتا الشارعَ العربي بما يؤشّر لقربِ انفجارهِ في وجهِ قياداتِ بلدانه، حينها تلاقت مطالبُ هذا الشارعُ مع الاستراتيجيةِ الجديدةِ للولاياتِ المتحدةِ الرامية لتغييرِ الوجوهِ التي تدينُ لها بالولاءِ في منطقتنا، وذلكَ بغية إسباغ نوعٍ من التغييرِ المُفضي لظهورِ قياداتٍ جديدةٍ تبدو اكثر قبولاً من سابقاتها من الناحيةِ الشعبيةِ وأكثر تفهمّا واستيعاباً لمخططاتِ السياسة الأميركية التي وقفت موقفَ المتفرجِ غير المُنكرِ للتحولاتِ المرافقةِ لثوراتِ الربيعِ العربي التي كانت بمثابةِ "حقٌ أريدَ بهِ باطل".
ثانيا: استفادت الولاياتُ المتحدة من تسريباتِ "ويكيليكس" لإحداثِ فوضىً في بلادنِا، ففي الوقتِ الذي سرَت فيه أولى تسريبات وثائق الموقع الشهير بشأن العالم العربي يوم 28 نوفمبر تشرين الأول 2010، كان صدى ذلكَ يترددُ في تونس بعد 20 يوما، حينما اندلعت ثورةُ الياسمين التي أدخلت البلاَد في متاهةٍ لم تخرُج مِنها إلى يومِنا، كما أنّها وطّأت لدخولِ بلدانٍ أخرى ذاتَ المعترك.
ثالثا: لن يكونَ الأمرُ متعسراً على الإدارة الأميركية إن أرادت وقفَ بثِّ وثائقِ "ويكيليكس" ووضعِ حدٍّ لنشاطِ مؤسسها جوليان أسانج اللاجئ لسفارةِ الإكوادور في لندن، سيما وأنّ قواتها الخاصة كانت قادرةً على جلبِ رؤساءِ دولٍ عملوا لصالح "سي آي أي" لسنواتٍ طويلةٍ من قبيل البنمي مانويل نورييغا الذي حملتهُ طائرةً عسكريةً أميركيةً مخفوراً لواشنطن، كما لم تجد الأخيرة صعوبةً في اعتقال عددٍ من مسؤولي الاتحاد الدولي لكرة القدمِ "فيفا" أثناء نومِهم بفنادقهم السويسرية.
ربعا: إطلاق يد مواقعِ التواصل الاجتماعية المرتبطةِ بوزارةِ الدفاعِ الأميركيّة لتأجيجِ ثورةِ يناير في مِصر، وحينها كان بمقدورِ واشنطن التحكمَ بتلكَ الوسائلِ لضمانِ حمايةِ أحدِ أهمِ حلفائها بالمنطقة العربية "حسني مبارك" الذي تخلّت عنه كما فعلت مع سواه من قبيل شاه ايران والتشيلي أوجستو بينوشيه، وذلك حينما أرادت وضعَ مخططٍ لمرحلةٍ جديدةٍ لم يكن لتلك الزعاماتِ مكاناً فيها.
خامساً: بدت الإدارة الأميركية بعيدةً عن الشأن السوريِّ حتى في اتفاق الاستانة الأخير والرامي لإقامةِ مناطقَ آمنة، لكنّها في حقيقةِ الأمرِ ليست بمنأى عما يجري في البلاد التي يُشكّل موقِعها الجغرافيِّ موضعاً استراتيجياً للسياسات الأميركية المستقبلية، حيث استطاعت توظيف هذا الملف الدموي غير المنتهي لإرهاق قوىً دولية وإقليمية وأخرى صغيرة أخذ هذا المنزلق في إدخالها بمتاهاتِ الإفلاس، وهو ما ينسحبُ على الملفّين الليبي واليمني.
سادساً: القاسمُ المشتركُ بين أربعِ دولٍ عربيةٍ شهدت ثوراتٍ في السنواتِ القليلةِ الماضيةِ هو وقوعها على البحرِ الأبيضِ المتوسطِ الغنيةُ سواحلهِ بالغازِ الطبيعي وهو الموردُ النظيفُ غير المضرِ بالبيئةِ والتي تسعى واشنطن وموسكو لتقاسمِه ضمنَ معادلةٍ يبدو أنهما متفقتان إزاءها.
سابعا: تتمتع الولاياتُ المتحدةُ بالقدرات الكفيلة بتحريك أسعار النفط إلى نحو صعودي أوهبوطي استنادا لإنتاجها ومخزوناتها، فضلاً عن التحكم بمسار صرفِ الدولار، وقد تمكنت واشنطن في عهد أوباما من نزعِ قوة التأثيرِ التي كانت تحظى بها منظمة الدول المصدرة للخام "أوبك" التي عجزت حتى عبرَ تعاونها مع روسيا عن درءِ تهاوي أسعار النفط الرابضة دون حاجز 50 دولاراً للبرميل، وهو أمر مكن الاقتصاد الأميركي من إدامة انتعاشه، مقابل انتكاسة نظيراتهِ العربية التي ستعاني عجوزات مالية ستدفعها آجلا أم عاجلاً إلى البنك وصندوق النقد الدوليين اللذان يحظيانِ برعاية أميركية.
ثامناً: كنا قد أشرنا سابقا إلى أن اهتمامَ إدارةِ أوباما الداخلي لا يعني انصرافها عمّا يدورُ بالعالمِ وبالتالي اغفالَ مصالحَ شركاتِ صناعةِ السلاحِ بالولاياتِ المتحدة والتي لم تبع منتجاتها للمؤسساتِ العسكريةِ الأميركية الرسميةِ، لكنها فعلت أفضل من ذلك حينما وجدت في الشرقِ الأوسطِ سوقاً واعدة متجددةً ومسرحاً للنزاعِ بين قوىً إقليمية تلجأ لواشنطن لضمانِ الحصولِ على أدواتِ التفوقِ والردع.
وهنا نضرب مثلاً مُعززاً بالأرقام، لكي لا يُظنّ بأننا نأتي بقولٍ مُرسل، فشركة "لوكهيد مارتن" الأكبر عالمياً بصناعة الأسلحة، سجلت مبيعات قدرها 48 مليار دولار خلال عام 2016 أي أكثر بنحو مليار دولار مقارنة بسنة 2010 التي سبقت موجاتِ الربيعِ العربي، وذلك على الرغمِ من عدم تدخلِ الإدارةِ الأميركيةِ عسكرياً بالشؤون الخارجية في عهدِ أوباما.
وهنا أيضاً ينبغي أنّ نلفت إلى أن التصريحاتِ الأميركيةِ الرسميةِ قد تكونُ مجافيةً للمصالحِ الاستراتيجيةِ المُضمرةِ لواشنطن، إذ أن طرحها المعادي لسياسة التسلّحِ التي تقومُ بها كوريا الشمالية، تخالف مصالحها المتمثلة في الإبقاء على القواعدِ العسكريةِ في اليابان وكوريا الجنوبية، كما أن ذلكَ يضمنُ المضي قدما في بيعهما السلاح اللازم لردعِ طموحات بيونغ يانغ.
محصلة ما تقدّم تمنحنا إشارات تفيدُ بأن الأعوامِ الثمانّ التي أدارَ فيها باراك أوباما شأنَ بلادهِ والملفاتِ الخارجية، كانت بمثابةِ سنواتٍ سمانٍ على المستوى الأميركي وعجافٍ على الصعيد العربي وقد برز من بين تجليّاتها:
أولاً: تراجع معدلاتِ البطالة في الولايات المتحدة من 10% إلى قرابة 4.4% مقابل وصولها لمستوياتٍ تاريخية بالعالم العربي (57%).
ثانيا: زيادةُ رقعةِ الفوضى وتدميرِ المنشآتِ والبنيةِ التحتيةِ في العالم العربي، سيضمنُ على المدى الطويل لجوءَ البلدانِ المتضررةِ إلى صندوقِ النقدِ والبنك الدوليان بغية الحصولِ على التمويلِ اللازمِ لإعادة الإعمار، وهنا سيتم تكبيل الإرادة السياسية لتلكَ الدولِ التي ستحتاجُ لعشراتِ السنين لاستعادةِ بعضَ عافيتها.
* دولٌ لم يسبق له اللجوء للاقتراضِ الدولي، وقد باشرَ بعضها سلوكَ هذه الطريقة من قبيلِ العراقِ وليبيا على أن تتبعهما سوريا.
* بعض الدولِ عانت من تضاعفِ مديونيتها بفعلِ التحدياتِ الإقليميةِ مثل مِصر والأردنّ وتونس والمغرب، على أن تواصلَ تسديدَ فوائدِ تلك الديونِ إلى أجل غير مسمى، من دون أن تتمكن من انهائها.
* دول تم القضاءُ على وفرتها من السيولةِ الماليةِ بفعلِ نجاحِ الدورِ الأميركيّ في إبقاءِ أسعارِ النفطِ منخفضة، وهي بلدانٌ ستكون مرشحة للجوءِ للاقتراضِ الخارجي مستقبلاً "دول الخليج".
ثالثاً: شرَعت الولاياتُ المتحدةُ الأميركيةُ مؤخراً في مشوارِها لرفعِ أسعارِ الفائدةِ على الدولارِ بشكل متتابع، الأمرُ الذي يعني انسحاب الأموالِ من الأسواقِ الناشئة تجاه "وول ستريت" في نيويورك، ما يعني زيادة المشهد الاقتصادي تعقيدا في أوطاننا وازدهارا في بلاد "العام سام".
رابعاً: ستكونُ الولاياتُ المتحدة حاضرةً بقوةٍ في عملياتِ إعادةِ إعمارِ الدولِ العربيةِ المُتهدمة، وستحظى شركاتُها بنصيب الأسد مِن تلكَ العقود، على أن تتقاضى أتعابها من القروضِ التي ستلجأ إليها أوطاننا، ومثالُ العراق ليس منا ببعيد.
ختاماً، مثّلت ثوراتُ الربيع العربي "حقٌ أريد به باطل"، إذ أنها جاءت تعبيراً عمّا يدورُ في مكنوناتِ مواطني بلدانِنا من شعورٍ بالظلمِ والتهميش، لكنّها جسّدت أيضا فرصةً هيأت واشنطن الأجواءَ المثاليةَ لحصولِها ضماناً لتحقيقِ مصالِحها الاستراتيجية المُتمثلة بجني المنافعِ والمكتسباتِ وزيادةِ حالة الوهن التي تعترينا، لتنجحَ الولاياتُ المتحدة في ايقاعنا بشكلٍ من أشكالِ شرَكِ النصبِ الاقتصادي.