يُمكن القول إن الممارسة الجنسية، قبل الإسلام امتازت بالحرية من حيث النظر إليها، والتعامل معها، وكذا التعبير عنها. ولعل الأمر يعود إلى الطبيعة البدوية، التي تقلل كثيراً من تعقيدات العلاقات الاجتماعية عموماً، عمّا هو الحال في البيئات الحضرية.
وعرف العرب أنواعاً متعددة من الممارسات الجنسية، وكلها في إطار العلاقة بين الذكر والأنثى. إذ لم يُسجّل التاريخ في عصر ما قبل الإسلام، بحسب ما وصل لنا من شعر وأحداث، انتشار المثلية بين عرب الجزيرة، أو على الأقل بين أشهر قبائل عرب الجزيرة، برغم وجود دراسات تُفيد بوجود هذا النوع من الممارسات الجنسية لدى العرب قبل الإسلام.
أما عن النكاح ما قبل الإسلام، فهنالك أكثر من نوع، من ذلك ما نُقل عن عائشة بنت أبي بكر، من أن النكاح قبل الإسلام كان على أربعة أشكال، بينها النكاح الذي أقره الإسلام. ثمّ هناك من قال بعشرة أنواع، بينها الأربعة التي ذكرتها السيدة عائشة. وأكثر الأنواع شهرة هي:
1ـ الاستبضاع
وهو أن يدفع الرجل بزوجته إلى رجل آخر من عليّة القوم، كشاعر أو فارس أو ذي حسب ونسب، فيناكح الرجل الغريب المرأة، وحين يقع حملها تعود إلى زوجها.
2ـ المُخادِنَة
المخادنة هي المُصاحبة، وفيها ما ذكر في القرآن: "ولا متخذات أخدان". إذ كانت بعض النساء قبل الإسلام، تصادق عشيقاً غير زوجها، ويقع بها. وهناك اختلاف حول كيفية المخادنة قبل الإسلام، وحتى بعده. فقيل إن المخادنة لا تصل إلى النكاح، ويكتفي العشيق من المرأة بالقبلة والضمة، كما قيل إنه النكاح. كذلك يُختلف في ما إذا كانت ممارسة سرية أو عرفاً متّبعاً، وإن كانت أكثر الدلائل تشير إلى كونها كانت سرية. فقد قال مثل عربي عن المخادنة: "ما استتر فلا بأس به، وما ظهرَ فهو لؤم".
3ـ البَدَل
وهو أن يُبدّل الرجلان زوجتيهما، لفترة مؤقتة، بُغية التمتع والتغيير، دون إعلان طلاق أو تبديل عقد زواج. يروى عن أبي هريرة قوله: "إن البدل في الجاهلية، أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي، وأزيدك".
4ـ المضامدة
وهو اتخاذ المرأة زوجاً إضافياً أو إثنين، غير زوجها. وفي المعاجم اللغوية، الضماد هو أن تصاحب المرأة إثنين أو ثلاثة، لتأكل عند هذا وذاك في أوقات القحط. وفي ما يبدو، فإن هذا النوع لم يكن مستحباً، وربما اعتبره العرب خيانة من المرأة، وإن كان معمولاً به ومنتشراً.
وقد أنشد أبو ذؤيب الهذلي، الشاعر الجاهلي المعروف: "تريدين كيما تضمديني وخالداً/ وهل يجتمع السيفان ويحكِ في غمدٍ؟". ويروى أنه ألقى البيت السابق لمّا أشركت زوجته معه ابن عمه خالد بن زهير، وكان الهذلي يعتبر هذا النوع منكراً. وقال: "إني رأيت الضمد شيئاً نكراً". وقال أيضاً في هذه الحادثة: "أردتِ لكيما تضمديني وصاحبي/ ألا لا، أحبّي صاحبي ودعيني".
5ـ الرهط
وهو أن يجتمع عشرة من الرجال، وينكحون امرأة واحدة. وإذا حملت، أرسلت إليهم جميعاً، ثمّ تختار من بينهم من يكون والد الجنين الذي في بطنها، ولا يستطيع أحد الامتناع عن الاعتراف به.
6ـ أصحاب الرايات
وهنّ ما يمكن تسميتهن بالبغايا، أو ممارسات الدعارة، بحسب ما نقول اليوم. إذ كانت المرأة منهن، ترفع الراية (ويقال إنها كانت حمراء) علامة على أنها جاهزة، فيأتيها الرجال.
هذه الأنواع الستة، هي من أشهر ما ورد عن أنواع النكاح قبل الإسلام، وهي غير النكاح الذي أقره الإسلام لاحقاً والمعروف الآن بالشهود والعقد وخلافه.
وفي ما خص المثلية ما قبل الإسلام، فالروايات مختلفة، ويصعب تحرّي الدقة فيها. فبعضها يزعم انتشارها، وبعضها الآخر يرفض تلك "الادعاءات"، انطلاقاً من فرضية تفيد بأن هذا الاتجاه الجنسي دخل لاحقاً على العالم العربي من الثقافات المجاورة مع الفتوح الإسلامية. وفي مسألة المثلية لدى النساء، فثمّة رواية شعبية غير موثقة تقول إن أوّل مَن اتجهت هذا الاتجاه الجنسي في جزيرة العرب، كانت زرقاء اليمامة مع هند بنت النعمان الثالث ملك الحيرة.
الإسلام غيّر شكل الجنس
عندما نزل الإسلام وضع قواعد جديدة للممارسة الجنسية المشروعة. ولكن البعض يرى أن الإسلام لم يمثل قطيعة معرفية كاملة مع ما كانت عليه العرب في موضوع الجنس. هذه الفرضية تنطلق من أن الإسلام، وبرغم تقنينه وتنظيمه لممارسة الجنس، لأغراض اجتماعية، فقد تسامح مع بعض ما كان يمارسه العرب قبله، ومن ذلك تشريعه للرجل أن يتزوج أربعاً.
وفي الإسلام، هناك أفعال لا تقع موقع الزنا، ويعتبرها البعض من جملة "اللمم". فقد جاء في القرآن: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم، أن ربك واسع المغفرة". ونقل ابن جرير عن أبي هريرة، عن قول الله "إلا اللمم"، أنه قال: القبلة والغمزة والنظرة والمباشرة. (أما) إذا مسّ الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل، فهو الزنا. وقال القرطبي: وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصم الله، كالقبلة والغمزة والنظرة.