لايمكن لدواخل دواخلك ألا تهتز إذا كنت مغربيا حقيقيا، وأنت تنصت لدانييل بن سيمون يتحدث عن كتابه “ماروكاييم” أو المغاربة حين استضافته من طرف قناة ١٢٤ نيوز ليلة الجمعة.
الصحافي والنائب المغربي الذي هاجر إلى إسرائيل في سن السادسة عشرة، والذي وضع نقطة نهاية على علاقته بالمغرب في سنوات شبابه الأولى، يستعيد في هذا الكتاب هذا الخطأ التاريخي مثلما يصفه هو بنفسه، ويستعيد علاقته بالمغرب، ويفهم بعد العمر المديد الذي أمضاه في الصحافة وفي علم الاجتماع وفي السياسة أن الأصل هو الإبقاء على علاقة الحب المزدوجة هاته بين البلد الذي أنجبه وبين البلد الذي اختار الهجرة إليه
في ماروكاييم يعود بن سيمون إلى المغرب دفعة واحدة، يستعيد عبق تاريخه، يحيي لواعج ماضيه، يتذكر التفاصيل الصغيرة تلك التي يشترك فيها المسلمون واليهود من أبناء الوطن الواحد، والتي تصنع هذه الشخصية المغربية الفريدة من نوعها التي لا توجد في أي مكان آخر من العالم باستثناء المغرب
عندما وصل بن سيمون إلى إسرائيل تم وضعه في مدرسة دينية، تساءل لماذا ؟ جاءه الجواب صادما “أنت يهودي مغربي إذن أنت متدين، عكس الأشكناز الذين يتم وضعهم في مدارس علمانية”
كانت أول صدمة للصغير المغربي حينها الذي رد وقال “لا، نحن مغاربة، نذهب إلى المعبد، ونذهب في الوقت ذاته إلى المسبح والبحر. نعيش الدنيا والدين. نحن هكذا”
كانت بداية اكتشافه للفوارق كلها، والعمر الذي أمضاه بن سيمون في الجرائد التي اشتغل فيها أو في كل المواقع التي مر منها أكد له أن الحل في نهاية المطاف لن يكون إلا مغربيا، وأن قدر هاته الشخصية المغربية القريبة من العرب، البعيدة عنهم في الوقت ذاته هو أن تلعب دور الوساطة بين السيفاراد والأشكناز داخل إسرائيل أولا، ثم بين إسرائيل وبين جيرانها العرب ثانيا
هذا الكلام لا نقوله نحن في المغرب للاستهلاك السياسي أو الإعلامي. نقوله لأننا نحياه ونعيشه، وهو جزء لا يتجزأ من هويتنا مهما قال لنا المنغلقون. وعندما استدعى البرنامج الجميل الذي استضاف بن سيمون شهادة يهوديتين مغربيتين كانتا في زيارة لورزازات في إحدى الهيلولات التي يحييها اليهود المغاربة باستمرار، كانت جملة “المغرب دارنا” كافية لكي تقول كل شيء عن هذا الارتباط العاطفي والوجداني القوي الذي لم تنفع كل سنوات الرحيل عن البلد إلا في تقويته، وفي دفع الدمعة الدافئة المغربية الجميلة إلى حدقة العين كلما رن اسم المغرب في أي مكان
بن سيمون لم يفوت الفرصة لكي يتحدث بكل الخير الذي يظنه عن صديقه أندري أزولاي، مستشهدا به في نقاش حول سبب تصويت اليهود المغاربة في إسرائيل على الليكود وعلى اليمين الوطني، حين سأل أندري بن سيمون “لماذا ونحن نحمل جينات هذا الاعتدال في دواخلنا منذ الأبد؟” كان الجواب قاسيا وبسيطا أن اليهود المغاربة اضطروا للاختيار حين قدومهم إلى إسرائيل وأن اليسار كان قاسيا عليهم متعاليا على هؤلاء القادمين من المغرب مراهنا على يهود أوربا الشرقية وأمريكا، دون أن يضع في اعتباره أنه أولا يطردهم نحو التطرف ونحو اليمين وإن كان مناقضا لشخصيتهم الأولى، ودون أن يدور في خلده أنه سيحتاجهم فيما بعد لكي يعيدوا له ربط وشائج الاتصال بين الجميع على عادة أي مغربي وأي مغربية يتقن جمع الأضداد حول طبق من الكسكس يوم الجمعة أو حول طبق من الدفينة يوم السبت أو حول بقية الأطباق المختلفة التي لا تعني الأكل فقط، لكنها تعني ثقافة هذا الاختلاط المغربي الرائع، الذي نحتاج اليوم أكثر مما مضى إلى إظهاره والافتخار به أمام كل هؤلاء المنغلقين المحيطين بنا.
AHDATH.INFO