لـمّا مسّ مندوب [ڤينزويلاّ] في الأمم المتحدة بوحدتنا الترابية، انبرى له مندوبنا الدائم في المنتظم الدولي، وردّ له الصاع صاعين، وأسمعَه ما لا يرضيه أمام الملإ، وكان ذلك كافيا وشافيا.. لكن بعد يومين، أصدر [هادوك] عندنا بيانا يقول إن المغرب يتابع بقلق الأوضاع في [ڤينزويلاّ]، ومتى كانت بلادنا تتابع بقلق ما يجري في هذا البلد الذي تفصلنا عنه صحراءُ مياهٍ مالحة، عرضُها [6000] كيلومتر عبر المحيط الأطلسي المائج؟ لكنّ هذا البيان يتضمن في ثناياه ردا على ما قاله مندوب هذه الدولة في الأمم المتحدة، وهو بيان غير سليم إذ كان على أصحاب فكرة هذا البيان، أن يردّوا بطريقة منطقية، وعملية، وحكيمة على سياسيي هذا البلد؛ لأن السياسة التي أوصلت [ڤينزويلاّ] إلى هذه الحال، هي نفسها السياسة المتبعة في بلادنا؛ لهذا كان على هؤلاء متابعةُ بقلق ما يجري هنا وهناك على امتداد ربوع الوطن، وأن يزيلوا الغشاوة عن أبصارهم ليروا الواقع كما هو..
نعم؛ هناك قتلى في اضطرابات [ڤينزويلاّ] الاشتراكية؛ لكنْ هناك حرقى في مغرب حكومة الإسلامويين.. نعم؛ هناك رئيسٌ ڤنيزويلي كان يشتغل كسائق شاحنة، لكنه لم يدرك أن قيادة شاحنة تختلف عن قيادة أمّة.. وفي المغرب، هناك رئيس حكومة كان واعظا والذي خلفه كان طبيبا، ثم محاضرا في أمور الدين، إلا أنهما لم يدركا أن الوعظ والإرشاد، والطب، والمحاضرات الدينية كلها تختلف عن فن تسيير أمّة، ومعالجة أمراضها، وإصلاح أوضاعها، مما يبين تماثُل الأوضاع بين المجتمعيْن.. لذا، كيف كان على هؤلاء أن يردّوا على اشتراكيي ڤينزويلاّ؟ كان عليهم لو كانوا صادقين، أن يرفعوا كل مظاهر الظلم الاجتماعي في المغرب، وهو ظلمٌ يشبه ما نزل بالشعب الڤنيزويلّي المسالم.. كان عليهم أن تواتيهم الشجاعةُ، ويلغوا إصلاح صندوق التقاعد، والاقتطاعات من أجور الموظفين والعمّال.. كان عليهم لو كانوا حكماء، أن يرفعوا من الأجور، ويَخْفِضوا من الأسعار، لتعود الحيوية، والنشاط، والأمل، والثقة إلى الشعب..
كان عليهم أن يردّوا صندوق المقاصة، مع النظر في ثمن المحروقات التي لها تأثير مباشر على معيشة المواطن.. كان عليهم أن يعيدوا النظر في أجور، وتعويضات الوزراء، والنواب، والمستشارين، مع تعديل القوانين السَّبُوعية المتعلّقة بهذا الجانب.. كان عليهم التأكد من النفقات الخاصة بالمؤسسات مع ترشيدها، وإلغاء كل ما يدخل منها في إطار التبذير، والبذخ، وسوء التدبير.. كان عليهم كرد على [ڤينزويلاّ] مراجعةُ الدعم المخصص للأحزاب الغُثائية، وأن يعرف كل حزب أنه إذا كان عاجزا عن تدبر أموره المالية بنفسه، فلا ينبغي له انتظارُ دعْم من مال الشعب، وعليه أن يحل نفسه، وهو خير له وللدولة؛ كما أنه إذا كان غير قادر على دفع مصاريف الحملات الانتخابية، فهو غير ملزم بدخولها..
فالذين قُتلوا في شوارع [ڤينزويلاّ] قُتلوا من أجل الحياة الكريمة؛ لكن الذين أحرقوا أجسادهم، أو شنقوا أنفسهم في بلادنا، تخلّصوا بطريقة [شُوبَّنْهاوْرية] من الحياة التي حكمت بها عليهم السياسةُ المتّبَعة في وطننا؛ وقد ملّوا من الانتظار حتى ضاق من صبْرهم الصبرُ؛ ففرقٌ إذن بين ضحايا [ڤينزويلاّ] وضحايا المغرب الذين انتحروا؛ ولكنْ هناك تشابُه في الوضع، وتماثلٌ في السياسة؛ ففي [ڤينزويلاّ] هناك سياسة [الشّافيزم] نسبة إلى الرئيس الراحل [شافيز]، وينفّذها خلفُه [مادورو]؛ وفي المغرب هناك سياسة [البينْكيرانيزْم] نسبة إلى الرئيس المخلوع [بنكيران] وينفّذها خلفُه [العثماني]؛ فأَريني أين هو الفرق؟ الجواب: لا فرق على الإطلاق بين [السّوسياليزم والبيجيديسم]؛ بين عقيدة ماركسية وعقيدة إسلاموية؛ أي والله!
فسياستكم عرجاء، وديبلوماسيتكم عوجاء، وبياناتكم جوفاء، وعدالتُكم خرقاء؛ كيف ذلك؟ في 06 نونبر 2016، ومباشرة بعد الخطاب الملكي بمناسبة المسيرة الخضراء، انتصبت وزيرةٌ مغربية في قناة، وتحدّثت، وفوق رأسها خريطةُ المغرب مبتورة منه صحراؤُه المسترجعة؛ والآن كانت الوزيرة برلمانية ثم صيّروها وزيرةً لوطنيتها، فيما صحفية في إحدى القنوات، ذكرت الصحراء مقرونة بنعْت [الغربية]، فنكّلوا بها، مع العلم أن حزبا تساند شبيبتُه شبيبةَ [البوليساريو] أشركوه في الحكومة الحالية، رغم أنه تقزّم، ونظيرٌ له في فرنسا وضعُه تأزّم، وشبيهٌ له في ڤنيزويلا بالدكتاتورية الحمراء الشعبَ ألزَم.. ففي فرنسا هناك الكوميديا؛ وفي ڤنيزويلاّ ترى تراجيديا؛ وفي المغرب تتفرّج على الفانتازيا؛ وما زالت العروض متواصلة؛ فاخترْ منها ما يلهيك أو ما يسلّيك أو ما يبكيك، ما دامت الحياة مسرحية...