قد يتساءل بعض المحللين الذين ألفوا التسطيح أثناء النقاش عن جدوى الزيارة الملكية لفرنسا، في وقت يستعد فرنسوا هولند لمغادرة قصر الإليزي، حيث تجرى الأحد المقبل الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية، المنحصرة بين إيمانويل ماكرون، زعيم حركة إلى الأمام، ومارين لوبين، زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية اليمينية المتطرفة. الأسئلة من هذا النوع يطرحها الذين يفهمون الدول بشكل بسيط وأنها مجرد انتخابات وصناديق اقتراع وليست استراتيجيات.
ليس جلالة الملك محمد السادس ممن يغامر بزيارة من هذا النوع دون أن يضع في حسبانه هذه المعطيات. طبعا يعرف أن الرجل سيغادر قصر الإليزيه عما قريب، وأن فرنسا ستنتخب رئيسا جديدا يوم الأحد القادم، وسيقول القائلون لو انتظر جلالة الملك حتى يعرف من سيعوض هولند.
المغرب دولة مؤسسات وتعرف أن الدول لا تقوم على الأشخاص. يختلف الأسلوب من مسؤول إلى آخر ومن حزب إلى آخر، لكن القواعد الأساس للدولة لا تتغير. لو كانت استراتيجيات الدول خاضعة لرهانات من يحكم لسقط العالم في فوضى، ولتوقفت الاستثمارات في كل بقاع الدنيا في غياب الثقة في المستقبل.
الرسالة التي بعثها جلالة الملك للجميع هو أن المغرب لا ينسى أصدقاءه في أي موقع كانوا، كما أن العلاقات مع فرنسا ليست مبنية على رغبات رئيس يأتي وآخر يرحل، ولكنها مبنية على استراتيجيات عميقة لا تتأثر بتغيير رأس الدولة.
في عز الحملة الانتخابية في المغرب، وفي وقت لم يكن أحد يعرف ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات، وفي وقت كانت الكفة ترجح حزبا من اثنين، مختلفي المشاريع وهما العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، في عز هذه الحملة، وقع المغرب اتفاقية لتوطين شركة بوينغ بالمغرب، وهي اتفاقية ضخمة وأرباحها ليست آنية بمعنى تحتاج للنفس الطويل.
لم تفكر الشركة ولو للحظة واحدة في انتظار نتائج الانتخابات. وقعت وهي تعرف أن مؤسسات الدولة هي الضامن الأسمى للاستمرار وهي التي تحرص على حقوق المستثمر وبالتالي لا خوف من التقلبات.
هو اليوم الدرس نفسه الذي يوجهه جلالة الملك للمترددين، حيث إن آفاق التعاون بين البلدين مستمرة ما دامت المشتركات الاستراتيجية مستمرة. لا يمكن لفرنسا أن تغامر باستراتيجيتها مهما تغيرت وجوه الرؤساء. صعد رؤساء يمينيون وآخرون يساريون وما بينهما، لكن العلاقات في عمقها بقيت كما كانت، حتى لو تغير أسلوب هذا الشخص عن الآخر واختلفت أدوات هذا الحزب عن الآخر.
أحيانا كثيرة صعدت أحزاب للحكم في فرنسا ليست على ود مع المغرب، بل إن بعض المسؤولين يكنون عداء لهذا البلد. لكن ينبغي التذكير بقصة الوزير الفرنسي الذي كان في الجزائر يتمدح بنظام بوتفليقة متحدثا باليقين عن توطين المشروع الفلاني بالجزائر، لكن قبل أن يستقل الطائرة كانت الشركة العملاقة توقع الاتفاقية في المغرب.
الدرس للإخوان الذين يقودون الحكومة عليهم أن يتعلموا أن الدول لا تبنى على الصندوق ونتائجه ولكن تبنى على استراتيجيات ومؤسسات ثابتة تدير لعبة الصندوق دون أن ينكسر.