ما يحدث داخل البيجيدي، منذ إعفاء أمينه العام، عبد الإله ابن كيران، من مهمة تشكيل الحكومة، وتعويضه برئيس المجلس الوطني سعد الدين العثماني، (ما يحدث) أكبر من مجرد هزات ارتدادية لما اعتبر زلزالا ضرب الحزب الأول انتخابيا. ما يحدث في الحزب، أو للحزب، وبدون مبالغة ولا تحامل ولا شماتة، أشبه بـ”انهيار”، وهو في ذلك مثل أي فريق لكرة القدم اعتاد أن يربح البطولات وينتصر في مباراياته، بسهولة وبفارق كبير في عدد ونوعية الأهداف، منتشيا باللعب الجماعي والتسجيل وبهتافات الجمهور و”هوووولي هووووولي”، لكن ما أن غاب العميد (مهما كان سبب الغياب) حتى تفككت الخطوط، وصار الهجوم يلعب دور الدفاع والدفاع يلعب دور الهجوم والوسط تائه بينهما وحارس المرمى بالكاد يقاوم ويحاول صد الكرات، وصار الأساسي شاردا في رقعة الملعب ومن في الاحتياط واقفا محتجا ضاربا بعنف على الدكة، شاتما هذا اللاعب أو ذاك، فيما المدرب تائه أمام الكرات الضائعة، متمنيا نهاية المقابلة بأقل الخسائر، والجمهور يبدأ الانسحاب من الملعب ومن بقي فيه تحول إلى الصفير أو التندر.
وبغض النظر عن ما سبق هذا “الانهيار” أو “الزلزال”، وبغض النظر عن تنوع القراءات لما حدث، فإن الخلاصة واحدة، وهي أن البيجيدي أثبت، بهذا التداعي السهل المفاجئ الغريب، أنه بنيان سياسي عادي، غير مضاد للزلازل ولا مرصوصا بشكل خارق للعادة، فهو مثله مثل سواه، ليس خرافيا كما اعتقدنا، ولا مثاليا كما خلنا، ولا أسطوريا كما توهمنا، ولا “دريم تيم” كما كدنا نصدق، وليس حزبا في خدمة الله كما قال البعض ذات وقت.
بعد سنوات من البريق، ثبت، فجأة، أن من في هذا الحزب ليسوا على ملة واحدة، وأن تدبير خلافاتهم ليس مثاليا كما كان يبدو، وأن المصباح لا يجمع الإخوة الأعضاء فقط بل الإخوة الأعداء أيضا، وثبت كذلك أنهم ليسوا جماعة ملائكة وإنما معاشر بشر تتنوع أفكارهم وطموحاتهم وأهواؤهم وأساليبهم وقلوبهم، ويتنوع ما في قلوبهم أيضا.
ما كان يبدو سالفا وحدة صف هو في الواقع مجرد نتيجة يفرضها منطق الزاوية والجماعة والشيخ والمريد، وهو منطق يحول السياسة إلى طاعة أوامر أكثر من الفعل الحيوي.
ثبت أيضا أن سر “نجاح” هذا الحزب لم يكن لا “ديمقراطيته” الداخلية، ولا أياديه “النظيفة”، ولا “الرأي حر والقرار ملزم”، ولا “قربه” من المواطنين، ولا “العفاف والكفاف”، ولا غير ذلك مما راج حتى كاد يتحول إلى حقيقة. “نجاح” هذا الحزب كان بفضل “دوباج” حقيقي بمادة تسمى “ابن كيران”. هو زرع النبت الانتخابي والآخرون حصدوا. وحين غاب، أو كاد يغيب، النتيجة يراها الجميع، أما تأويلها أو تفسير أسبابها فلا يهم كثيرا.
البيجيدي مثل دراجة نارية سرعة محركها محدودة، مثل باقي صنفها، لكن سائقا موهوبا فكر في تعديل المحرك وأضاف آخر، فصارت السرعة أكبر والصوت أقوى، لكن ما أن “أزيل” المحرك الثاني حتى عادت الدراجة إلى سرعتها الطبيعية، واختفى الصوت القوي، ولأنها كانت تسير بأكثر من سرعتها الطبيعية فقد تراخت قطع الغيار حتى صارت تحدث الكثير من “التقرقيب”.
البيجيدي استأنس سنوات بالكلام الجميل والمديح والتغزل فيه، فاستكان إلى “وهم القوة”، وجزء مما يعيشه حاليا سببه ذاك الكم الكبير من الغرور الذي سكن نفوس بعض المنتسبين إليه. توالي الانتصارات الانتخابية، كما يحلو لهم أن يسمو احتلال المرتبة الأولى في الانتخابات، أشعرهم بالتفوق، وهذا الشعور استحال تعاليا، لم “ينزله” إلا الواقع الجديد… واقع غياب “الفران أمان”.
#مجرد_تدوينة