رضوان مبشور
قصة هذا الحوار جاءت من تدوينة نشرها السيد ولد أمين جمعت بين الجد و الهزل، ولكنها كانت مثيرة، حكى فيها أن رواية تروج مفادها أن عرافا سبق و أن قال للرئيس الموريتاني إنك إن صافحت ملك المغرب محمد السادس سيزول حكمك ! ولهذا وجه ولد أمين، وهو وزير إعلام موريتاني سابق تحول إلى معارض، نداء إلى الملك محمد السادس طلب منه أن يعمل جاهدا على لقاء ولد عبد العزيز ومصافحته.
اتصلنا بولد أمين، فكان هذا الحوار المليء بالأمل في عودة المياه لمجاريها بين الجارين المتباعدين.
بداية، كيف ترى العلاقات المغربية الموريتانية في الوقت الراهن ؟
العلاقات الموريتانية المغربية دون المستوى الطبيعي لعلاقات الجوار والتكامل فالحكومات تغفل حقائق الجغرافيا والتاريخ الضارب في القدم، إنه أمر مؤسف حقا، هذا التوتر شبه المستمر في علاقات الاخوة عموما وبين موريتانيا والمغرب خصوصا، وهو أمر محير كذلك، لأنه لا توجد تفسيرات مقنعة لخلافات استراتيجية بين الدولتين وهذا ما يجعلني أميل إلى أننا أمام حالات مزاجية مشخصنة وهذا هو عين الاستهتار بمستقبل شعوب المنطقة.
من كلامك أفهم أنها علاقات لا تعكس مستوى طموحات الشعبين ؟
كيف يمكن الحديث عن تطلعات الشعوب والانسان الموريتاني لا يستطيع السفر إلى المغرب دون تأشيرة والعكس صحيح، الوضعية الحالية تتناقض مع تطلعات ومصالح الشعب في الكيانين، ففي ذهن الانسان العادي هنا لا يعتبر المغرب بلدا أجنبيا والعكس صحيح، ففي هذه الحالة نحن أمام شعب واحد يعيش بين دولتين متنافرتين.
تصور شعوري الخاص حين يقلب موظف الشرطه المغربية جواز سفري لمعاينة التأشيرة في الوقت الذي أرى فيه السنغالي والغيني يدخلان المغرب بدون تأشيرة، إنه شعور يتخطى الاستغراب بل يصل إلى الحسرة وربما الألم. على حكومات البلدين فهم الحالة الوجدانية والإنسانية للناس، ساعتها فقط يمكننا الحديث عن تطلعات الشعوب. الحقيقة المرة أنه لن يوجد تطور اقتصادي مهم ما لم تفتح أبواب التبادل الكامل والحركة الانسيابية التامة للممتلكات والأشخاص، ولن تحصل نهضة اقتصادية واجتماعية ما لم تلغى كل القيود والعوائق الأمنية والعسكرية والجمركية المبالغ فيها بين دول المنطقة.
في السنوات الأخيرة جرت الكثير من المياه تحت جسر العلاقات بين سلطات الرباط ونواكشوط.. أين المشكل بالضبط ؟
بكل صراحة لم أستطع تشخيص أسباب هذا الصقيع المزمن بين قيادات البلدين، أقول صقيع لأن الأمر أصبح يشبه حالة هجران مستمرة وليست صدودا عابرا .
أغلب ظني كما سبق وأسلفت أننا أمام حالة مزاجية أو شخصية، ولذلك فأنا أطلب من العقلاء في البلدين العمل لتذليل هذه الصعوبات وإزالة الحرج، وأطلب الاخوة في المغرب تحديدا السعي وبذل جهد أكبر في ذلك الاتجاه، حيث أن قيادات الدول الصغيرة أو محدودة الإمكانات تكون دوما الأكثر عرضة للعقد النفسية والنوبات المزاجية. على كل حال الشعب في البلدين يريد تنقية العلاقات وتطويرها وتكاملها ومن هذا المنطلق أطلب حكومة المغرب إلغاء التأشيرة نهائيا عن الموريتانيين ومن جانب أحادي، وليست هذه أول مرة يتخطى فيها المغاربة أعراف وتقاليد التبادل بالمثل، أذكر جيدا أن جوازات السفر الموريتانية في ثمانينيات القرن الماضي كان يكتب عليها يحظر العمل بهذا الجواز في اسرائيل وجنوب افريقيا والمغرب، ومع ذلك لم تقبل السلطات المغربية الأمر بل لم تأخذه مأخذ الجد، وواصل الموريتانيون السفر ذهابا وإيابا في تحد واضح لنوبة مزاجية مستهترة.
سبق و أن اشتغلت كوزير للإعلام في الحكومة الموريتانية، أكيد كنت مطلعا على الكثير من الأسرار و الخبايا بخصوص العلاقات المغربية الموريتانية، هل لك أن تكشف لنا بعضا منها ؟
حين كنت عضوا في الحكومة كانت الامور تبعث للتفاؤل ما حدث من نكوص حدث بعد ذلك ولم استطع أن أعرف له سببا مقنعا، نحن أمام وضعية محيرة أقرب ما تكون للطلاسم والألغاز، في حين العلاقات الدولية بطبيعتها علم رصين يتجاوز التفسيرات الغريبة و المزاجية، لأنها تتعلق بحياة الناس ومصالحهم وأمنهم.
في الجانب المغربي، البعض ينظر إلى موريتانيا على أنها لا تؤدي دورا محايدا في نزاع الصحراء ؟
موريتانيا كدولة اختارت الحياد والحياد السلبي الكامل منذ اغسطس 1979، أي أنها تمتنع عن الدخول في هذا النزاع وليست لها أي طموحات في أراضي الصحراء الغربية وتتعامل مع من يوجد على الإقليم كجار، هذا من الناحية النظرية لكن في الواقع الحياد صعب فكل رئيس له قراءة خاصة تنعكس على نظرته للأمر ونوع الحياد، وعلى كل حال أنا أعتقد أن المشاكل بين الاخوة في الشمال يجب أن لا تدخل في سياستنا الخارجية حيث من الممكن ومن الواجب أن نحتفظ بأعلى مستويات التعاون مع المغرب ومع الجزائر تماما كما تفعل تونس بل وأكثر نتيجة للقربى الجغرافية والسوسيولوجية بيننا نحن والمغرب.
لا فائدة ترجى من الخلافات والتوتر المستديم والبرود المفتعل، نحن كشعوب نريد إقامة جسور المحبة والتعاون، نريد نزع فتيل الخلاف وإزالة جدران الألغام وحالة التسلح، لا نريد لأموالنا أن تنفق في الجيوش نريدها للمتشفيات والجامعات والمصانع .
في عهد الرئيس الحالي، يبدو أن ولد عبد العزيز منحاز إلى الجزائر، ما سبب ذلك ؟
رسميا الديبلوماسية الموريتانية لا تزعم الانحياز للجزائر، وأعتقد أنه إذا تمكن العقلاء في البلدين من إسماع صوتهم سيكون من السهل تطويق كل ما يبعث للتوجس، وبكل صراحة أعتقد أن الوقت قد حان لتوضيح أمر مهم: ليس عند موريتانيا على الأرض علاقات استثنائية أو تحالف مع الجزائر على حساب المغرب، هذه معلومة مغلوطة ومفخخة وحجم التعاون بين موريتانيا والجزائر محدود جدا وسببه عدم اهتمام الجزائر بدول الجنوب ووضعيتها القيادية الخاصة، وأنتهز هذه الفرصة لأقول للعقلاء بالمغرب انه من واجبهم أيضا السعي الحثيث لتنقية الأجواء مع جارهم الشرقي خدمة لتطلعات الشعوب وامتثالا للحس السليم في تدبير المصالح.
أي دور يمكن أن تلعب موريتانيا في حلحلة النزاع في منطقة الصحراء، خاصة و أنها كانت طرفا في النزاع من خلال توقيعها لاتفاقية مدريد في 14 نونبر 1975 ؟
الدول الصغيرة ومتوسطة الحجم لا يمكن اتهامها بالتوسع والهيمنة، ولذلك السبب تكون هي الفاعل الأكثر انسيابية في الوساطات الكبرى التي شهدتها أوروبا في مسيرتها نحو الاتحاد بعد عقود دامية من العنف والفواجع. وفي هذه الحالة من واجب موريتانيا أن تلعب دور الحاضن للسلام بين مختلف الفرقاء ودول الإقليم وهذا غير ممكن دون هامش مناورة وغير ممكن دون أحسن علاقات إنسانية مع الجميع.
من موقعك كوزير ومستشار للرئيس الموريتاني السيد محمد ولد عبد العزيز، ما هي دوافع سوء الفهم بين سلطات نواكشوط و الرباط ؟
للتوضيح لست مستشارا له هذه وظيفة تركتها منذ سنوات طويلة، حسب علمي لا يوجد أي مبرر لهذه الحالة فالرجل من أصول مغربية ودرس في المغرب وفي حياته الشخصية توجد لمسات مراكشية واضحة وجلية. لذلك يقول كثيرون أن هناك نقطة شخصية ما لم نستطع تحديدها ولعلها نبوءة كاهن قال له أن فخامته إذا صافح ملك المغرب سينتهي ملكه ! هل هذه نكتة ؟ لا اعرف ! لكنني أعرف أن في قصور الحكم وفي دول عديدة تحتل الخرافة حيزا كبيرا من عقول الحكام. على كل حال هذا الرجل سيغادر الحكم طبقا للدستور الموريتاني في فترة وجيزة كلنا ذاهبون والشعوب باقية.
لماذا لا نشاهد زيارات متبادلة بين المغرب وموريتانيا على مستوى القيادة، أقصد الملك محمد السادس و الرئيس محمد ولد عبد العزيز ؟
إنه البرود المزمن والعصي على الفهم في علاقات البلدين، في نفس الإطار نجد سفارات بلا سفراء، وصعوبات وعوائق أخرى: مثلا لا توجد رحلات بين الأقاليم المغربية المختلفة وموريتانيا، انعدام النقل البحري والمعابر الحدودية المتوترة.
الملك محمد السادس جاب إفريقيا طولا وعرضا، وفي كل مرة يستثني موريتانيا، هل هو غير مرحب به عندك ؟
شعب موريتانيا يكن لملك المغرب الكثير من المحبة، وعليه بحكم مكانته وحجم بلاده أن يكسر جبل الجليد المصطنع بيننا، وأول ما اقترحه عليه هو أن يأمر حكومته بضرورة الغاء التأشيرات والتعامل الحسن مع أهل موريتانيا. أريده أن يغمر عسكر نواكشوط بالمحبة واللطف، على جلالته أن يترفع على سلبيتهم العابرة، فمن فوائد الملكية مأسسة قيم النبالة والفروسية !
بخصوص "حلم" المغرب العربي، يقال أنه ولد ميتا، و مجموعة من النخب في المغرب العربي يتحدثون اليوم عن خطيئة النشأة حينما يتحدثون عنه ؟؟
المغرب العربي كحلم ما زال ملتهبا وقادرا على تحريك مشاعر الناس في كل الأقطار خلافا لمنظمة اتحاد المغرب العربي التي ولدت ميتة فعلا ومجازا لأنها ومنذ إعلان مراكش مجرد محاولة فاشلة لتجاوز الخلاف بين المغرب والجزائر واعتقد أن تقدم الديمقراطية في بلدان المنطقة هو الطريق الوحيد لبناء المغرب الكبير في انتظار نضج الانتقالات صوب الديمقراطية يمكننا الأخذ بمقترح الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي الذي يقول بإنشاء اتفاقيات بينية متقدمة بين ليبيا وتونس من جهة والمغرب وموريتانيا من جهة أخرى ويطالب أن تسمح هذه الاتفاقيات - مثلا- للمغربي أن ينال نفس حقوق الموريتاني في موريتانيا والموريتاني بنيل حقوق المغربي كاملة في المغرب، وأعتقد أن هذا المقترح جدي وممكن وملموس وسيفتح الباب لديناميكية وحدوية وهوما أطالب بتحقيقه وبسرعة.
كسؤال أخير.. كيف تنظر لمستقبل المنطقة بشكل عام، ومستقبل العلاقات المغربية الموريتانية بشكل خاص ؟
كل المؤشرات إيجابية وأعتقد أن كل الناس وصلت لدرجة من الضجر بالخلافات المستهترة بين الحكومات حدا يتخطى قرع جرس التنبيه، وعلى سبيل المثال سمعت كلاما نسب لرئيس البرلمان الجزائري يعبر فيه عن حالة ضجر واضحة من الخلافات المصطنعة بين البلدين، وأعتقد أن ما عبر عنه هو ما يدور في خلد كثيرين هناك.
بالنسبة لمستقبل العلاقات بيننا والمغرب أنا متفائل جدا فما بيننا والمغاربة من صلات ومصالح يحتم التفاعل الإيجابي، وعلى الصحافة وأهل الثقافة أن يقوموا بدورهم في تقريب وجهات النظر والابتعاد عن السلبية والخلافات الفرعية.