تعتبر مذكرات مستر هامفر الجاسوس البريطاني مادة توثيقية مهمة حول تخطيط بريطانيا لإنشاء مذهب إسلامي، الغاية منه التحكم في حياة الشعوب، ويعتبر هذا المذهب هو المنبع الأول للتنظيمات التكفيرية وعلى رأسها النصرة وداعش، وتعميما للفائدة ننشر على حلقات مذكراته، التي يتوافق ما جاء فيها مع ما جاء في كتاب شقيق مؤسس هذا المذهب "الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية".
مهمة مستر همفر إلقاء الفتن بين المسلمين.
1- مستر همفر يلقى الفتن بين الشيعة :
وبعد ستة أشهر وجدت نفسي في البصرة من العراق ، وهو بلد عشائري ، وأهله مختلطون من السنة والشيعة ، الجناحين الإسلاميين – كما أنهما مختلطون من العرب والفرس وفيهم قلة من المسيحيين .
ولأول مرة فى طول حياتي ألتقي بالشيعة وبالفرس ، ولا باس أن أذكر شيئا عن الشيعة والسنة ، فالشيعة هم ينتسبون علي بن أبى طالب ، وهو صهر رسولهم على ابنته فاطمة وكان في نفس الوقت أبن عم الرسول أيضاً – وتقول الشيعة إن رسولهم محمداً عين عليا خليفة من بعده وقال بأن عليا وأولاده الأحد عشر خليفة بعد خليفة .
وأني أظن أن الحق مع الشيعة في خلافه على والحسن والحسين ، لأن الثابت من التاريخ الإسلامي حسب مطالعاتى – أن عليا كان يمتاز بصفات نفسية عالية تؤهله للقيادة ، ولا أستبعد أن يكون الرسول ( محمد ) قال بأن الحسن والحسين أيضا إمامان ، وهذا لا ينكره أهل السنة أيضا ، لكنى أشك في نفس الوقت بأن أولاد الحسين ( التسعة ) أيضا علينهم الرسول ( محمد ) خلفاء له ، إذ كيف يعلم بأنه ( محمد ) المستقبل ، لأنه قد مات والحسين طفل ، فكيف يعلم سيكون للحسين أولاد ويكونون مسلسلين إلي تسعة .
( نعم ) لو كان ( محمد ) رسولاً حقاً لكان من الممكن أن يعلم كل ذلك بإرشاد من الله كما كان المسيح يخبر بالمستقبل ، لكن نبوة محمد مشكوكة عندنا نحن المسيحيين .
إن المسلمين يقولون : بأن القرآن دليل نبوة ( محمد ) لكني قرأت القرآن فلم أجد فيه دليلاً ، إنه لا شك كتاب رفيع ، بل هو ارفع مستوى من التوراة والأنجيل ، ففيه دساتير وأنظمة وأخلاقيات وغير هذه ، لكن هل هذا وحده كفيل بالدلالة علي صدق ( محمد ) .
إننى متحير في أمر ( محمد ) أشد التحير ، إن رجلاً يدوياً لا يقرأ ولا يكتب كيف يمكنه أن يأتي بهذا الكتاب الرفيع ، وهو شخصياً يكون ذا خلق وذكاء لم يعهد مثلهم في أي عربى دارس ؟ فكيف بالعرب البدوي الذي لم يقرأ ولم يكتب ؟ هذا من جانب ، ومن جانب آخر : فهل يكفى مثل ذلك للتدليل علي نبوته ؟
لقد كنت دائم التطلع لكي أتعرف علي هذه الحقيقية ، وطرحت – ذات مرة – هذا الموضوع مع أحد القساوسة في لندن ، لكنه لم يأت بجواب مقنع ، وإنما تكلم عن تعصب وعناد ، كما أني مرات فتح هذا البحث مع الشيخ أحمد في تركيا فلم يأت بجواب مقنع لي ، لكن من الحق أن أقول : أنى لم أقدر أن أتكلم مع الشيخ بصراحة خوفاً من أن ينكشف أمري ، أو يشك فى .
وعلي أي حال : فإنني أقدر ( محمداً ) تقديراً كبيراً ، إنه لا شك كان من طراز أنبياء الله الذين نقرأ عنهم في الكتب ، لكنني غير مقتنع بنبوته إلي الآن ، ولو فرضنا أنه لم يكن نبياً لكن من المستحيل أن يعتقد الإنسان الذي يحترم ضميره أنه مثل سائر العباقرة ، إنه لا شك كان فوق العباقرة ، وأرفع من الأذكياء .
2- مستر همفر يلفي الفتن بين السنة :
أما أهل السنة فإنهم يقولون : بأن المسلمين رأوا – بعد الرسول - بأن أبا بكر ثم عمر ثم عثمان أصلح للخلافة من علي ، ولذلك تركوا أمر الرسول ( محمد ) وأتخذوا هؤلاء خلفاء للرسول .
إن مثل هذا النزاع موجود في كل دين – وفي المسيحية بصورة خاصة – لكني لا أعلم ما هو المبرر لبقاء هذا النزاع ، فقد مات ( علي وعمر ) وعلى المسلمين – ( إن كانوا عقلاء ) أن يفكروا في هذا اليوم لا في الماضي السحيق .
ذات مرة ذكرت لبعض رؤسائى في الوزارة أختلاف السنة والشيعة وقلت له : إنهم لو كانوا يفهمون الحياة لتركوا النزاع ووحدوا كلمتهم ، فنهرني الرئيس قائلاً : الواجب عليك أن تزيد الشقة ، لا أن تحاول جمع كلمة المسلمين .
وبهذه المناسبة إن السكرتير قال لي في أحدي الجلسات التي اجتمعت معه قبل سفرتي إلي ( العراق ) : إعلم يا ( همفر ) أن هناك نزاعات طبيعية بين البشر منذ أن خلق الله ( هابيل وقابيل ) وستبقى هذه النزاعات إلي أن يعود المسيح .
1- فمن نزاعات لونية .
2- ومن نزاعات قبلية .
3- ومن نزاعات إقليمية .
4- ومن نزاعات قومية .
5- ومن نزاعات دينية .
ومهمتك في هذه السفرة أن تتعر علي هذه النزاعات بين المسلمين ، وتعرف البركان المستعد للانفجار منها ، وتزود الوزارة بالمعلومات الدقيقة حول ذلك ، وإن تمكنت من تفجير النزاع كنت فى قمة الخدمة لبريطانياً العظمي .
فإننا نحن البريطانيين لا يمكننا العيش في الرفاه إلا بإلقاء الفتن والنزاع في كافة المستعمرات ، كما أننا لا يمكننا تحطيم السلطان العثمانى إلا بإلقاء الفتن بين رعاياها ، وإلا فكيف تتمكن أمه قليلة العدد من أن تسيطر علي أمة كبير العدد ، فأجتهد بكل قواك أن تجد الثغرة وأن تدخل من الثغرة ، وليكن علي علمك أن ( سلطة الترك ) و (سلطة الفرس) قد ضعفتا فليس عليك إلا أن تثير الشعوب ضد حكامها ، كما ثارت الثوار في كل التاريخ ضد الحكام ، فإذا أنشقت كلمتهم وتفرقت قواهم ضمنا استعمارهم من أسهل طريق .
نشاط مستر همفر بالبصرة :
ولما وصلت إلي البصرة ذهبت لتوى إلي أحد المساجد ، وكان المسجد لعالم من أهل السنة عربي الأصل وأسمه ( الشيخ عمر الطائي ) فتعرفت عليه وتلاطفت معه ، لكن الرجل شك بي من أول لحظة ، وأخذ يحقق من أصلي ونسبى وسائر خصوصياتي ، وأطن أن لونى ولهجتى هما قادا الشيخ إلي الشك .
لكني تمكنت من الخروج من المازق بأني من أهالي ( أغذير ) في ( تركيا ) وأني تلميذ ( الشيخ أحمد ) في الآستانة ، وكنت نجاراً في محل ( خالد ) .. وإلي آخر ما هنالك من المعلومات التي حصلتها مدة إقامتى فى ( تركيا ) وتكلمت جملاً باللغة التركية ، وانتبهت أن الشيخ أشار بعينه إلى أحد الحاضرين مستفسراً منه هل أنى أتكلم التركية صحيحاً أم لا ؟ وأشار المسئول عنه بعينه بالإيجاب ، وفرحت إذا تمكنت من جلب قلب الشيخ
لكن ظني كان سراباً خادعاً ، فقد علمت بعد أيام أن الشيخ ينظر إلي بنظر الريبة ، ويظننى جاسوساً لتركياً ، حيث تبين لي فيما بعد أن الشيخ علي خلاف مع ( الوالى ) المعين قبل السلطان ، وأن بينها تبادل الأتهام وسوء الظن .
وعلي كل فلم أجد بدأ من أن أنسحب عن مسجد ( الشيخ عمر ) إلي ( خان ) كان محل الغرباء والمسافرين ، وقد استأجرت غرف فى الخان ، وكان صاحب الخان رجلاً أحمق يسلب راحتى كل صباح ، فقد كان يأتي أول الفجر إلي باب الغرفة ويطرقه بعنف لأقوم لصلاة الصبح ، وكنت أنا مجبوراً لمسايرته ، فكنت أقوم وأصلي صلاة الصبح ، ثم يأمرنى بقراءة القرآن إلي طلوع الشمس ، ولما قلت له : إن قراءة القرآن ليست واجبة فلماذا هذا الإصرار ؟ قال : بأن من ينام فى هذا الوقت يجلب الفقر والنكبة للخان ولأهل الخان .
وحيث لم يكن لي بد من إجابته – إذ هددني بالطرد إن لم أعمل بما يقول – صرت مجبوراً علي أن أصلى أول الأذن ثم أتلوا القرآن أكث من ساعة كل يوم .
ولم تكن المشكل لتنتهي إلي هذا الحد ، فلقد جاءنى صاحب الخان – وإسمه ( مرشد افندم ) – ذات يوم وقال : إنك منذ أن استأجر منى الغرف ابتليت أنا بالمشاكل ولا أراها إلا من طالعك ، وقد فكرت في أن سبب ذلك أنك أعزب والعزب شؤم ، فإم أن تتزوج وإما أن تخرج من الخان ، قلت أني لا أملك المال لكى أتزوج .
قال لي ( الأفندم ) : يا ضعيف الإيمان ألم تقرأ قول الله تعالى ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) ووقع في حيرة شديدة من أمرى ماذا أفعل ؟ وبماذا أجيبه ؟ وأخيراً قلت له : حسنا كيف- أتزوج بلا مال ؟ وهل أنت مستعد أن تقرضنى المال الكافى أو أن تجد لى زوجته بلا مهر ؟
فكر ( الأفندم ) قليلا ثم رفع رأسه ليقول : إنني لا أفهم كلامك ، وأخيرك بين أن تتزوج إلي أول شهر رجب المرجب أو أن تخرج من الخان.
وبالمناسبة فإن أسماء الأشهر الإسلامية بهذا التسلسل ( محرم ، صفر ، ربيع الأول ، ربيع الثانى ، جمادي الأولى ، جمادي الثانية ، رجب ، شعبان، رمضان ، شوال ، ذو القعدة ، ذو الحجة ) وأشهرهم حسب رؤية الهلال ، ولا تزيد أيامها عن ( 30) يوماً ، ولا تنقص عن ( 29) يوماً .
وأخيراً رضخت لأمر ( الأفندم ) ووجدت مكاناً عند ( نجار ) تعاقدت معه أن أعمل كعامل عنده بأجره زهيدة ، ويكون أكلى ونومي أيضاً عنده ، وقبل أن ينتهى الشهر خرجت من الخان لألقي رحلى في دكان ( النجار ) وكان رجلاً شهماً شريفا عاملني ، كأحد أولاده ، وكان أسمه ( عبد الرضا ) وكان شيعياً فارسياً من أهالى ( خراسان ) .
وقد انتهزت فرصة وجودي عنده أن أتعلم منه اللغة الفارسية ، وكان الشيعة العجم يجتمعون عنده كل عصر ويتكلمون بكل أقسام الكلام من سياسة إلي اقتصاد . وكانوا يتهجمون علي حكومتهم كثيراً ، كما يتهجمون علي الخليفة فى ( الآستانة ) أما إذا جاء ( زبون ) لا يعرفونه انقطعوا عن الكلام فوراً ، وأخذوا يتكلمون في قضاياهم الشخصية .
وإني لا أعلم كيف وثقوا بي هذه الثقة ، لكن علمت أخيراً أنهم ظنوا أني من أهالي ( أذربيجان ) حى علموا أني أعرف اللغة التركية ، وساعدهم علي هذا الظن لونى المائل إلي البياض ، اللون الغالب علي أهالى ( أذربيجان) .