بالأمس فقط، تساءل العبد الضعيف إلى الله، في تدوينة فايسبوكية: أين تتجلى إسلامية تركيا، هل في دستورها؟ أم في ما تعرفه ميادينها وحاناتها وملاهيها، من فواحش ومنكرات؟ أم في مسلسلات الدياثة التي لطخت بها العالم العربي؟ أم في سماح أردوغان بتقنين زواج الشواذ حبا في سواد عيون أوربا؟ أم في تذلل تركيا وركوعها لإسرائيل؟ أم وأم وأم !!!
واختتمت تدوينتي بالإشارة إلى أنني شخصيا، وبنظرة مسلم سني أبا عن جد، لم أر أي شيء يدل على أن تركيا دولة إسلامية.. لأن الإسلام الذي نعرفه عن تركيا، ليس سوى لغو وكلام على العواهن، في المهرجانات الخطابية للزعيم المريض بحب السلطة.
وما هي إلا بضع لحظات، حتى تقاطرت ردود، أبرزها من "عُباد" أردوغان، عراب الإسلام السياسي، تتهمنا بـ"محاربة الإسلام"، في شخص القائد الفذ، وتدعو بـ"النصر والتمكين"، لهذا الرجل الذي عرف جيدا كيف يقود قطيعا طويلا عريضا من ذوي الإعاقات الفكرية.
وهذا القطيع، لا ينفع معه لا نقاش ولا حوار، وهو ليس قابلا أبدا للاستماع، وقابليته الوحيدة، هي الاشتعال، دفاعا عن شخصية لا نعرف ما الذي قدمته للإسلام والمسلمين، حتى نرفعها إلى مقام الصحابة الأبرار، وأولياء الله الصالحين !!!
الأكثر من ذلك، دخل آخرون وحاولوا خلط الأمور بإجراء مقارنة لا تصح مع وجود الفارق، معتبرين أن تركيا "أكثر إسلامية من المغرب". ويظهر أن هؤلاء الجهال، لم يسبق لهم أن زاروا تركيا، خاصة في شهر رمضان، وإلا لغيروا مواقفهم بسرعة قياسية، إن كانت فيهم حقا ذرة من إيمان.
فهل ينكر هؤلاء أن تركيا دولة علمانية بنص الدستور، وأن المغرب دولة إسلامية بدستورها؟
هل يجهلون أم يتجاهلون أن شهر رمضان في تركيا لا يشبه شهر رمضان في المغرب؟ وفي الوقت الذي نجد فيه المغاربة عن بكرة أبيهم يستعدون لشهر رمضان وينتظرون إطلالة هلاله وأجواءه الروحانية على أحر من الجمر، لا نجد أي أثر لأجواء الصيام في تركيا، بحيث ينتشر ملايين المفطرين في المقاهي والحانات نهارا جهارا. أما ليلا، فحدث ولا حرج.
وعندما وقع الانقلاب المزعوم، الذي وصفه مقرب من فتح الله غولن بالمسرحية المكشوفة والمكيدة الشيطانية لإلصاق تهمة الإرهاب بمُخالفي سياسة أردوغان، هاج الآلاف من أتباع الإسلام السياسي، مهللين مطبلين للزعيم الخالد، معبرين عن تعاطف كبير مع هذا البلد، وتفاعلوا مع أحداث الانقلاب، إلى درجة أن هذا التفاعل أنسى هؤلاء المغاربة مشاغلهم وقضاياهم الآنية، وغطى على كل شيء.
لكن ماذا لو عكسنا الصورة، وقلنا إن المغرب في حاجة مثلا إلى دعم الشعب التركي في قضيته الوطنية؟
هذا السؤال يفرض نفسه، ويتعين على المغاربة مقاربته ببراغماتية سياسية، تضع مصالحنا الوطنية فوق كل اعتبار، وماذا نربح من دول ندعمها معنويا، ونصطف إلى جانب قواها الحية، ونؤيد خيار شعبها ومصلحة حكومتها؟
أما هوس أردوغان، الرئيس التركي، بالكيان الصهيوني وعشقه له، فقد تجاوز كل الحدود، وهو صاحب القولة الشهيرة "تركيا في حاجة إلى إسرائيل وإسرائيل في حاجة إلى تركيا".
الأكثر من ذلك، أعطى أردوغان الدليل القاطع على تبعيته للعلم الإسرائيلي، عندما أعلن رسميا تقدمه بطلب رسمي إلى مفتي تركيا، يطلب فيه منه إصدار فتوى، تبيح له التعامل مع إسرائيل، انطلاقا من القواعد الشرعية.
أردوغان، الذي استطاب رخاء السلطة، لم يكتف بالقصر الرئاسي السابق، بل حرص، في تقليد فرعوني، على تشييد قصر خيالي يضم 1150 غرفة، وبلغت كلفته 1,3 مليار ليرة تركية (490 مليون يورو)، ليضمن لنفسه عيشة فرعونية بامتياز، مبررا حاجته إلى قصر أسطوري بقوله "لا يجب التوفير عندما يتعلق الأمر بهيبة أمة"، قبل أن يضيف في سخرية نادرة من رئيس دولة يحترم شعبه "القصر ليس في ملكيتي.. إنه في ملكية المواطنين". فهل يسمح أردوغان لهؤلاء المواطنين بزيارة قصره، أو قضاء ليلة واحدة فيه؟