محمد بوعيدة*
اندلاع الثورات العربية شاهد على عجز ذوي الاختصاص في التنبؤ بسلوك الشارع العربي. وبالمثل، فالتكهنات حول الفوز الساحق لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية المقبلة في المغرب، قياسا على التجربة التونسية، هو استشراف ينطوي على هشاشة نظرية لا تصمد أمام التحليل المقارن.
لقد استفاد حزب النهضة من الإقصاء الذي مورس عليه في ظل نظام زين العابدين بن علي. فحزب الغنوشي جسد معارضة صلبة واجهت طويلا نظاما قمعيا وسلطويا تميز حكمه بغياب تام للاستجابة الإستراتيجية للمطالب الاجتماعية وانعدام مبادرات الانفتاح السياسي. وبناء عليه، وأخذا بالاعتبار أن الحزب لم تكن لديه أي تجربة تذكر في الحكامة وتدبير الشأن العام، مما أضاف إلى مصداقيته، اكتسب ثقة التونسيين.
أما في المغرب، فإن الوضع يختلف. على نقيض اعتقاد سائد، فحزب العدالة والتنمية حاضر في المشهد السياسي، وبعيد عن احتكار المعارضة. فحزب بن كيران لم يكتف بالمشاركة في الانتخابات السابقة، بل دخل أيضا غمار تجارب عدة في مجال الحكامة المحلية. ولتجنب الإشارة إلى القضية المحرجة لبوبكر بلكورة، التي عبر حزب العدالة و التنمية عن تحفظات بشأنها، إلا انه يمكننا على الأقل اليوم، الجزم بكوننا لانتوفر على معطيات تمكننا من تقييم أداء الحزب على الأرض. ومن ثم، فمن الضروري التحفظ عن مقولة فوز مؤكد لهذا الحزب بأكبر حصة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وعدم تغييب عنصر المفاجأة.
هناك عامل آخر يكرس هذا الطرح. تتميز تونس بميزتين أساسيتين. أولا، تجانس سكانها من حيث المكونات الثقافية والدينية ، وثانيا، أن مسألة الأمازيغية لم تسييس حتى الآن. خلافا لتونس ، فالأمازيغية تمثل جيبا مهما من جيوب التعبئة في المشهد السياسي المغربي. وإذا كان دستور 1 يوليو2011 قد اعترف بالأمازيغية كلغة وطنية ، فمن المفيد أن نأخذ في الاعتبار أن حزب العدالة والتنمية قد اتخذ موقفا فريدا حيال هذا الجانب من الإصلاح.
ففي غضون المشاورات التي سبقت التصويت على الدستور الجديد ، عبر عبد الإله بنكيران ، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ،عن معارضته لتكريس دستوري للأمازيغية كلغة وطنية. كرد فعل ، أولت الجمعيات والشباب الأمازيغي هذا الإعلان كموقف معاد. فبتاريخ 6 أغسطس 2011 ، ردد المتظاهرون من حركة 20 فبراير شعارات ضد الحزب في منطقة سوس (جنوب المغرب) و تم إنشاء صفحة فيسبوك لطلب حله. يضاف إلى ذلك إعلان أحمد أحمروش، ناشط في الحركة ، ورئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، عن نيته تقديم شكوى ضد حزب العدالة والتنمية.
ولتعميق التحليل، فمن الممكن الاستباق أن التحالف المحتمل للعدالة والتنمية مع حزب الاستقلال، قد يشكل عاملا آخر قد يؤثر سلبا على أدائه في المناطق الناطقة بالأمازيغية، بالنظر إلى كون حزب الاستقلال مدافع قديم عن تعريب الإدارة والتعليم المغربي.
حضور عنصر المفاجأة بشأن نتائج الانتخابات هو ظاهرة جديدة في العالم العربي وفي هذا الصدد، فالمغرب حالة معبرة؛ البلاد تشهد ربيعا سلميا دون فكرة مسبقة عن نتائج الانتخابات. إذا كان فوز حزب النهضة كان متوقعا على نطاق واسع في تونس أو خارجها، فإن قدرة الأحزاب السياسية على حشد الناخبين المترددين هو المفتاح لتشكيل النتيجة النهائية في المغرب. حزب العدالة والتنمية، باعتباره أحد المرشحين للفوز، سيكون عليه إثبات مهارات لا مثيل لها لتصحيح صورته في أوساط الحساسيات الأمازيغية التي تمثل أغلبية لها وزنها. ولكن لجعل صوته مسموعا، ينبغي على حزب بنكيران تجنب التحالف مع الاستقلال. و هذا الخيار يبدو من الصعوبة بمكان، في ضوء حقيقة أن حزب العدالة والتنمية يواجه منافسة شرسة من التحالف القوي لجي8.
*باحث في الفلسفة السياسية، المقال أعلاه مترجم عن مقال تحليلي بالإنجليزية لمريم اللبار، باحثة مغربية في الشأن الإفريقي، نشر في مركز البحوث الأوربي يوربس وورد، بتاريخ 21 نونبر 2011