من أولى علامات الاضطراب الذي يعيشه التحالف الحكومي الجديد بقيادة سعد الدين العثماني هو أن تخرج الحكومة ببيان تُكذب فيه نفسها، أي تُكذب فقرة من التصريح الحكومي، فهل يؤمنون ببعض التصريح ويكفرون ببعض؟ فالتصريح الحكومي هو التزامات أمام الناخبين وغير الناخبين، بمعنى هو البرنامج الذي يمكن أن تتم محاسبة الحكومة وفقه، وبالتالي ليس لغو الكلام.
فلماذا التناقض بين التصريح الحكومي وبيان الحكومة؟
التصريح الحكومي جاء على ذكر الإصلاحات (هكذا) التي بدأتها حكومة بنكيران، والتي ستواصلها حكومة سعد الدين العثماني، وعلى رأسها استكمال رفع الدعم عما تبقى من مواد أساسية. ولم يتبق سوى غاز البوتان والسكر وجزء من الدقيق. فمن كتب أن الحكومة عازمة على رفع الدعم عن هذه المواد لم يكن كاذبا، وهو من باب الاستنتاج. ولا معنى إذن لتكذيب الحكومة التي قالت إن ذلك قول مغرض.
في هذا الصدد قال لحسن الداودي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة، إن استمرار إصلاح صندوق المقاصة، جاء في إطار "السعي الكبير للحفاظ على القدرة الشرائية للشريحة المستهدفة، لأنه لا يمكن أن نعطي الموارد المالية لدعم الغني على حساب الفقير، نحن يجب أن ندعم الفقير".
دعونا نناقش الوزير الجديد على حرفة الحكامة والشؤون العامة. نناقشه كلمة كلمة. ودائما يختارون لهذه الوزارة رجلا يتقن الكلام أكثر من الأفعال. يريد أن يقنعنا بخطاب ورثه عن بنكيران وكنا نظن أنهم قطعوا معه.
يقولون إن الدعم الموجه للغاز والسكر والدقيق يستفيد منه الأغنياء ولا يستفيد منه الفقراء. يعرف المتخصصون أن هذه القضية صحيحة جدا. وأن استفادة الفقراء لا تتعدى الربع. لكن هل الحل هو إلغاء الدعم؟
يبدو من السذاجة اعتبار رفع الدعم هو لفائدة الفقراء كما روج لذلك بنكيران.
سيتم رفع الدعم عن الغاز حتى لا يستفيد منه أصحاب الضيعات الكبرى. جيد. سيشتري الفقراء الغاز بالثمن الغالي لكن الفلاح الكبير أيضا. الفلاح أيتها الحكومة لن يخسر ريالا واحدا. لأن الغاز بالنسبة له هو جزء من الاستثمار. وهو يبيع منتوجه بعد احتساب التكلفة وتحديد الأرباح.
إذن الفقير سيشتري الغاز للاستعمال المنزلي بثمن مرتفع وسيشتري معها الخضر بثمن مرتفع أيضا. إذن اشرح لنا يا سيادة الوزير من المتضرر؟ الغني لم يمسسه شيء من هذا القرار. تزيدون عليه في ثمن الغاز يرفع ثمن بيع منتوجه الذي يشتريه الفقراء.
الشيء نفسه يمكن أن يقال عن باقي المواد التي تقرر رفع الدعم عنها.
الحل الذي لا تريده الحكومة واضح. وهو واحد من اثنين: إما فرض ضريبة استغلال الغاز والسكر والدقيق على الشركات الصناعية والمقاولات، وبالتالي تكون الدولة قد تخففت من أعباء الدعم المهم، وإما بيع هذه المواد بالفاتورة حتى يسترجع المواطن فارق الزيادات.
غير هذا الحل مجرد كذب على المواطن الهدف منه التخلص من أي دعم اجتماعي.