الحروب المعاصرة المدمرة اليوم ينبغي تجريمها من جميع دول العالم، ومن قبل الأمم المتحدة على الخصوص، كما يجب تحريمها من قبل العلماء ورجال الدين؛ لأنها في الحقيقة أصبحت وصمة عار في جبين الإنسانية، لهذا ينبغي على جميع الأديان أن تقوم بدورها الإنساني؛ لأن مهمة الدين، وأي دين سماوي هو اسعاد اﻹنسان في عالم الغيب والشهادة؛ أي في عالمه المادي وفي عالمه اﻷخروي، ولعل أكثر وقوع الفساد والاضطراب فى هذا العالم هو عندما يقوم هذا اﻹنسان "المؤمن" بتغليف أفعاله الشريرة بغلاف دين الله الطاهر، وإلباسها لباس التقوى واﻹصلاح وخدمة الصالح العام، وخاصة عند فساد العقول وخراب القلوب واختلال الموازين والتباس الأمور والأحوال، سواء كان ذلك آتٍ من جهة الجهل والغفلة أو من جهة العناد والحزبية وإتباع الهوى، ولا يخفى أن هذا هو أسلوب المنافقين الذين كشف الله تعالى لنا عن صفاتهم ومناهجهم فى مواضع كثيرة، ومنها قوله تعالى: "ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه، وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم، ولبئس المهاد".
فهؤلاء أفسدوا أنفسهم بأخلاقهم الذميمة، وأفسدوا غيرهم بقلب الحقائق وتشويش الأفكار، وأفسدوا الدول والمجتمعات بنشر الكراهية وإشعال الفتن وسفك الدماء؛ بل أفسدوا الدين نفسه بتشويه صورته السمحة النقية فى العالم كله، وتدعيم الصورة الباطلة التى يحاول أعداء الإسلام أن يبثوها فى نفوس العالم، من أن الإسلام دين بربري همجي متعطش للدماء! وهذا في الحقيقة يتنافى تماما مع إنسانية الإسلام وأهدافه النبيلة وقيمه الجميلة؛ لكن هؤلاء القوم -للأسف- يظنون أن الوصول إلى الجنة والدخول إليها لا يتم إلا عن طريق الجماجم والرؤوس المقطوعة، وسفك الدماء المعصومة، وتخريب البلاد وقتل العباد؛ مع أن الطريق إلى الجنة واضح وبين، ولا يكون إلا عن طريق ملء البطون الجائعة، ومساعدة الأجساد المريضة، مع كفالة الأطفال المهملين والمشردين في الدروب والأزقة، بالإضافة إلى خدمة الإنسانية وإعمار الكون لما فيه صلاح البشرية، ومن سلك طريقا غير هذا فقد خاب وخسر في الدنيا والآخرة؛ وفي هذا السياق يجب أن نوضح لهؤلاء الدراويش والحمقى أن طلب الخلافة الإسلامية والإعلان عنها أمر إرادي لا ينبغي أن تفرض بالقوة والجبر والإكراه، وتباد من أجلها شعوب ودول مسلمة لا يفتر ولا ينقطع آذان التوحيد من أعلى مآذنها، ولا الصلاة من مساجدها..
فمن أجاز إقامتها بهذه الكيفية والطريقة فقد ضل ضلالا مبينا؛ لأن عهد الشبكات العنكبوتية الزرقاء والحمراء والخضراء والصفراء والبيضاء والسوداء، مع الإعلام والفضائيات العابرة للقارات أصبح من السبع المستحيلات فرض أي شيء على الناس، أو ممارسة الوصاية على عقولهم وكبت حرياتهم، أو القيام بتحديد نوعية الكتاب الذي ينبغي قراءته أو عدم قراءته، أو فرض عليهم مذهب معين أو مدرسة فقهية معينة، فاليوم السلطة الفعلية للعقل والعلم والحجة والبرهان، أما سلطة الإكراه والصراخ والنباح انتهى عهدها بدون رجعة؛ مع العلم أن إسلام المسلم ﻻ يقاس بكثرة سجوده وركوعه في مساجد الله؛ وإنما يقاس بمساعدة الفقراء واليتامى والضعفاء والمرضى من خلقه، وما دام هناك طوابير من الجوعى والمتسولين يجوبون شوارع المدن واﻷزقة والمطاعم والبيوت والمساجد في عالمنا اﻹسلامي والعربي يطلبون العون والمساعدة من المحسنين، فاعلم أن هذه الدول إسلامها صوري طقوسي لا طعم ولا مذاق ولا رائحة ولا روح فيه؛ ﻷن جوهر الإسلام العدل، والعدل خلق كريم، والظلم خلق ذميم، وﻻ علاقتهما بالكفر أو اﻹيمان؛ ورب مؤمن ظلمه فاق الخيال، ورب كافر عدله شمل اﻹنسان والحيوان، ولنا اليوم في حكام العجم عبر، فاعتبروا يا أولي الأبصار، للأسف الشديد، أصيبت أمتنا بجرثومة خطيرة، وربما ستكون هي سبب فنائنا، وهي العصبية والمذهبية والحزبية والطائفية؛ بحيث أصبحت تسري وتنتشرفي دولنا العربية والإسلامية كالناهر في الهشيم كما يقال، وتنتقل من مكان إلى مكان، وهي مثل بقية الجراثيم كلما وجدت بيئة موبوءة بالحزبية والطائفية، بالإضافة إلى التخلف الفكري والتشبث بالرأي وتسفيه الرأي الآخر حطت رحالها وشرعت تتوالد وتتكاثر لتخصب كل أجناس وألوان القتل وأنواعه، والطامة الكبرى أن تقنيات العصر من إنترنت وفضائيات وغرف محادثة ومنتديات ورسائل جوال وفيسبوك وواتساب لم نستفد منها في شيء، وإنما زادت من وتيرة هذا التعصب الأعمى والتطرف واﻹرهاب والدعشنة والتوحش !.
ولهذا أقول: لم يبقى لمصطلح "أهل السنة والجماعة" ذوق وﻻ طعم وﻻ رائحة وﻻ معنى؛ في ظل التقاتل والتطاحن بين المسلمين وأهل السنة أنفسهم؛ بحيث كل طائفة وكل جماعة وكل تيار إسلامي يعتبر نفسه ناطقا رسما باسم أهل السنة والجماعة، وما سواه من التيارات والجماعات والحركات اﻹسلامية اﻷخرى في جهنم خالدين فيها، مع أن الله تعالى هو وحده العليم الخبير، المطّلع على جميع شؤون عباده، يعلم أحوالهم ويشاهد أعمالهم؛ فلا يفوته شيء ولا يعزب عن علمه منها مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر؛ يقول سبحانه وتعالى: "وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَر" ومع هذا البيان القرآني الواضح الذي جعل الحق والعلم المطلق لله في علم أحوال عباده وما يخفون وما يعلنون، يأتي اليوم بعض المتفيقهين همهم الوحيد وشغلهم الشاغل اصدار مجموعة من اﻷحكام التكفيرية البئيسة في حق بعض المسلمين والمسلمات؛ ﻻ لشيء إﻻ أنهم يختلفون معهم في الرأي والفكر والمذهب..
فأتباع هذا الفكر البئيس والمدرسة العقيمة هم اليوم من يقومون بحرق وتفجير الكنائس والمعابد والمساجد وذبح الأبرياء ! ظنا منهم أن الله هداهم إلى الحق وحدهم وما سواهم من الأجناس والملل الأخرى لا يستحقون الحياة على هذا الكون الفسيح، مع أن القرآن الكريم ومن فوق سبع سماوات اعترف بمعابدهم وكنائسهم وقال تعالى: " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها إسم الله كثيرا" ؛ أي أن معابد اليهود وكنائس النصارى وبشهادة القرآن الكريم يذكر فيها إسم الله كثيرا، فيأتي أصحاب فكر التوحش وينسفونها نسفا،أتساءل مع نفسي مرات ومرات؛ كيف لمجموعة بسيطة من الدواعش في عالمنا اﻹسلامي والعربي استقطبوا اﻵﻻف المؤلفة من الشباب اﻹسلامي إلى أفكارهم ومدرستهم الدموية؛ بينما عجزت مؤسسات علمية عملاقة وجحافل من العلماء والمشايخ والدعاة وأئمة المساجد والخطباء ومؤسسات إسلامية كبرى كوزارات الشؤون اﻹسلامية، وجامعات اسلامية، ومعاهد شرعية، ومدارس وملايين من المساجد في عالمنا الإسلامي عن صد هؤلاء، وتجفيف منابعهم، مع تصحيح معتقداتهم الفاسدة ؟!! ولوﻻ يقظة اﻷجهزة اﻷمنية لكانت جميع دولنا اليوم تعيش في بحور من الدماء ! أين الخلل يا جماعة الخير ؟! .