بعد الانفجار الذي استهدف كنيسة صنْطَا بمصر، والذي خلّف 21 قتيلا من بين المصلّين، أصدر شيخ الأزهر بيانا يدين العملية الإرهابية، ثم بعث برسالة تعزية للأقباط المكلومين.. لكنّ أحد الرهبان، استشاط غضبا قائلا لشيوخ الأزهر إن تعازيهم مردودة عليهم، وأن إدانتهم غير مقبولة.. ثم قال بصوت غاضب وجهوري: أليس هذا هو ما تدرّسونه في مدارسكم وكلياتكم؟ أليس مصدر هذا هو تراثكم الذي يبيح ويشجّع على الغدر والإرهاب؟ أليس هؤلاء هم النصارى الذين تلعنونهم وتستبيحون قتْلهم بأية طريقة؟ إذن كفاكم كذبا ونفاقا؛ لقد انفضحت سياستُكم، وبان جوْركم، وما هؤلاء القتلة إلا أناس تأثّروا بتراثكم؛ إذن روحوا يا شيوخ، فما عدنا نصدّقكم، أو نأمن جانبكم؛ فهيهات أن نتّقي شرّكم..
إن المطّلع على التراث، ليدرك بسهولة أن هذا الراهب لم يُرسل كلاما على عواهنه، ولم يَفْتَرِ، ولم يكذب، وإنما هو كلام الباحث، والعارف بما يتضمّنه تراث أمّة إسلامية، من فتاوى لا تمت إلى الدّين بصلة، وليس لها ما يسندها في القرآن الكريم، وهو قول فصل وما هو بالهزل لو حكّمناه في تنقية هذا التراث الموبوء، الذي ستكون له آثار سلبية في العصور المقبلة.. فلو كان هذا التراث قد وُضع على طاولة الدرس، والبحث، والتنقية، لما وصلنا اليوم إلى هذه المأساة التي سنجترّ أذيالها لسنين أخرى طويلة.. لكنْ لماذا لم يخضع هذا التراث للتنقية والتمحيص، رغم ما ينطوي عليه من مخاطرة، ومزالق، ومناكر؟ السبب هو أن لحُرّاسه وفقهائه، منافع لا تعدّ ولا تحصى؛ فماذا سيبقى لهم لو أن هذا التراث خضع لأوراش البحث العلمي، على ضوء القرآن الكريم؟ بماذا سيُضِلّون، وسيكذبون على الأمّة؟ ماذا عساهم يحكون في الأوساط، والقنوات؟ بماذا سيبيحون ما حرّم الله، ويحرّمون ما أباحه لعباده؟
هل كان هذا الراهب المكلوم على حقّ؟ هل هناك ما يؤكّد كلامَه؟ نعم؛ هناك الكثير من الحقائق التي تؤيّد كلامه، وتعطيه مصداقيةً لو أنه كان أمام محكمة عادلة.. ألاَ يُدرَسُ في الثانوية العامة كتابٌ مشهور بعنوان: [الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع]؟ ألا يوجد في هذا الكتاب جوازُ أكل لحم المسيحي بعد طبخه، اللهم إذا كان مسلما، فلا يجوز طبخه احتراما لكرامته؟ ألا تقرأ فيه أنه يجوز سرقة محتويات الكنائس، وسرقة أدوات الموسيقى؟ ألا يتضمّن الكتاب لعْنا للنصارى، ويُحرَّم الدعاءُ للنصراني إذا تصدّق مثلا على المسلم الفقير في الشارع؟ ألا يوصي بتطهير جزيرة العرب من النصارى واليهود؟ الراهب لم يكذب، بل الكذبة هم الشيوخ.. لكنْ هذا الراهب يجهل روايتين مؤكَّدتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُولاهما أنه عليه السلام، عند فتح مكّة، دخل كنيسةً فرأى صورة سيدتنا [مريم] عليها السلام، تضم إلى صدرها سيدَنا [عيسى] عليه السلام وهو صبي؛ فأراد صحابيٌ نزْعَها من على الجدار، فنهره النبي الكريم، وأمره أن يتركها في مكانها..
وأما الثانية، فإنه عليه الصلاة والسلام، جمع بين المسلمين والنصارى واليهود في المدينة، وأمرهم بالالتزام بالدفاع عنها وقت الحاجة، وصاغ في ذلك وثيقةً سمّت مسلمين ونصارى ويهودًا: [أهل الصَّحيفة]، ناهيك من أنه عليه السلام أوصى بالأقباط خيرا [لأن لنا معهم رَحِم] كما قال، وكان يعني سيدتَنا [مارية] رضي الله عنها، وهي والدة سيدنا [عبد الله] ابن محمد صلى الله عليه وسلم، ومات في صغره، حتى لا يكون للنبي وليٌّ للعهد، وما ينبغي له، وتلكم حكمة الله عزّ وجلّ.. لكنّ هؤلاء القتلة ليسوا بمسلمين، وهدفهم الإساءةُ للدّين، ويوظّفون الروايات الكاذبة، والأحاديث الموضوعة للاسْتبلاد، والاستغباء، والاستحمار.. لكن المسلم الذّكي يعرف جيدا أن النبي الكريم، سبق وأن قال: [الغدر والخديعة في النار]: قال الصحابي الجليل [قيس بن سعد بن عبادة] وكان من أدهى العرب لولا الإسلام: [لولا أني سمعتُ رسول الله يقول: الغدر والخديعة في النار، لمكرتُ مكرا لا تطيقه العرب].. وعلى هذا الأساس يكون العمل بتعاليم الإسلام، وأخلاقه، هو الدليل على صدق الإيمان؛ فلا يغرنّك كل ما طالت لحيتُه، ولُوِّيَت عمامتُه، وقَصُرت قَنْدورتُه، ورأيتَه يهرول بشكل روتيني إلى المسجد، كلّما سمع الأذان؛ كلا! لا تنخدعْ بهذه التصرفات؛ فحتى أمير المنافقين [عبد الله بن أُبَي بن سَلول] بايع بيعة الرّضوان، وكان يصلي إلى جانب رسول الله، وهو من أهل النار.. ولـمّا مات، صلّى عليه النبي الكريم، فقال [عمر] رضي الله عنه: تدعو له وهو منافق؟ قال رسول الله: [كلا؛ بل دعوتُ عليه: اللهمّ الْعنْهُ واحْشُ قبره نارا..].. فهؤلاء القتلة باسم الإسلام، سوف يلعنهم الله، ويحشو قبورَهم نارا؛ آمين..