مولاي إبراهيم أباعلي
هو الشيخ سيدي إبراهيم بن سيدي مبارك بن سيدي ابراهيم البصير رحمة الله عليه, ولد سنة 1287ه الموافق ل 1867 بالخصاص , مشيخة ايت اعلي, ينتمي لأسرة عريقة اشتهرت بالصلاح والولاية في منطقة الساقية الحمراء وموريتانيا والسودان وسوس .
وبنت العديد من الزوايا بهذه الأصقاع، وهو ينتمي لأسرة آل البصير المنحدرة من قبائل الشرفاء الرقيبات وبالظبط من فخذة المؤذنين , و يقول الفقيه سيد المختار السوسي " هي نسبة إلى أحد أجدادها أشتهر بالمؤذن و أسر هذا الفخذ لا تزال إلى الأن في الصحراء...و لم يدخل سوس من هذه الأفخاذ إلا آل البصير".
وبقيت تنتقل هذه العشيرة الشريفة تحت ظروف الجفاف والاستعمار ،وهكذا عرفت زواياهم بمراكش والرحامنة والدار البيضاء وبني مسكين وقصبة الزيدانية إلى أن استقر بهم الأمر أخيرا بمنطقة بني عياط ،التي بنيت بها زاويتهم المعروفة اليوم باسم : " زاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير" .
واشتهرت هذه العائلة آل البصير بهذا اللفظ حيث يطلق لفظ البصير عند أهل المغرب , و ما إليها على الأعمى من باب تسمية الشيء بضده , كما يسمى الرصاص بالخفيف و الملذوغ بالسليم و أول ما أطلق عليه هذا الإسم هو سيدي ابراهيم بن لفقير كيسوم جد المرحوم و جده هذا ولد أكمه فعوضه الله بما حرمه من نور البصر بنور البصيرة , بصيرة ثاقبة حوت العلم و الدين , حفظ كتاب الله كما حفظ مختصر خليل و الرسالة كان رجلا يضرب له ألف حساب بين قومه , تربى في أرض الصحراء و بعدها إنتقل إلى أرض لخصاص فأسس هناك الزاوية البصيرية .
عُرف الشيخ سيدي إبراهيم البصير رحمه الله أول ما عرف بمنطقة الساقية الحمراء وموريتانيا والسودان طالبا للعلم حينا وممارسا للتجارة حينا آخر ومترددا على أهل الصلاح والولاية في أغلب الأحيان، وكان هذا حوالي سنة 1296هـ/ 1878م .
خصه الله بكرمات أعيت العقول قال تعالى "فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور " .
فمن ذلك أنه كان يعرف البلد التي حل بها بشم تربتها فما كان من أصحابه إلى أن اختبروه مرة فحملوا تربة أرض بعيدة إرتحلوا عنها , و بينما هم في الطريق إذ قال لأحدهم "ناولني تربة هذه الأرض فأعطاه تربة الأرض الأولى.
و ما إن شمها حتى صاح فيهم هذه تربة الأرض الفلانية , أتريدون أن تغالطوني , فأناخ راحلته و قبض قبضة من أديم الأرض الجديدة فقال بعد شمها هذه الأرض الفلانية ". .
وكان هَمُّ الشيخ سيدي إبراهيم البصير الأكبر أثناء سن التمييز القيام بكلفة الأسرة التي كان قوامها ما يفتح الله به عليه من هبات يجود بها الأحباب .
حيث لا حرث ولا كسب لها ... فكان هذا سببا في ميلاد فكرة التجارة لديه ... فأول ما فتتح به هذا الباب كتانا وأقمشة متنوعة بالدين من " هشتوكة" فتوجه بالكل إلى شنقيط ،لكنه لم يفلح في مسعاه، وذلك أن الجود والكرم أتى على كل ما بحوزته ،وكان هذا سنة 1308هـ / 1890م.
وحين ذهب غالب ما بيده من التجارة بلا فائدة خرج قاصدا السودان ، فلقي هناك شيخا يدعى سيدي محمد المجتبى .
وقد حظي الشيخ سيدي إبراهيم البصير في سياحته هذه ببعض قبسات من العلوم في شنقيط ، فقد كثر فيها العلماء وأكبرهم آنذاك الشيخ ولد حماني الغلالي ومنهم سيدي ولد سويدات المقعد ، كان يحمله الخدم في قفة ليلقي تسعة دروس يومية بين الصباح والمساء .
كان هذا الشيخ يدني الشيخ سيدي إبراهيم من مجلسه ويحضره مجالسه الخاصة والعامة،وواظب لديه ما يزيد على السنتين ،فعزفت نفسه على التجارة وذهب ذلك المال كله في سبيل الله وانتفع بصحبة العلماء انتفاعا كبيرا.
وبعد هذا الوقت سرعان ما عرف الشيخ سيدي إبراهيم البصير بسوس حيث أخذ الورد الدرقاوي عن الشيخ سيدي الحاج علي بن أحمد الإلغي بإيعاز من أبيه الشيخ سيدي امبارك وأخيه الشيخ سيدي محمد البصير، وهذا الشيخ هو الذي أجازه وندبه للدعوة إلى الله منذ الوهلة الأولى لما وجده في منتهى الاستعداد الحسي والمعنوي .
وكانت أول وجهة توجه إليها في سياحته الصوفية هذه هي منطقة اصبويا التي نجح فيها نجاحا منقطع النظير وكون فيها أتباعا كثيرين على رأسهم القائد البشير الصوابي .
وبعد هذه الفترة ظهر الشيخ سيدي إبراهيم البصير بمراكش حيث بنى زاوية بمنطقة الرميلة وسلمها لشيخه الشيخ سيدي الحاج علي الإلغي ،ثم قصد منطقة الرحامنة قرب ابن كرير فبنى هناك زاوية لا تزال عامرة إلى الآن ،
ولقي القبول والإقبال فاستجاب لدعوته الفقراء والأغنياء والعلماء والعوام والقواد كالقائد العيادي والقائد عبد السلام البربوشي.
وفي سنة 1325هـ / 1906م دخل الشيخ سيدي إبراهيم البصير ومن معه من الأتباع منطقة بني مسكين وأسس زاويته بالبروج، ومكث سنوات يدعو إلى الله و يبصر الناس بشؤون دينهم.
هذا وإن الظروف الزمانية والمكانية لم تسمح للشيخ سيدي إبراهيم البصير أن يستقر في مكان معين ،لأن الاستعمار الفرنسي كان يلاحقه طول الوقت، فخرج تحت هذه الظروف إلى قصبة الزيدانية ، ومنها خرج قاصدا الجبل سنة 1331هـ / 1912م حيث قبيلة تزكي .
وقبل أن يحتل المستعمر "دار ولد زيدوح " و "بني ملال " نزح الشيخ سيدي إبراهيم البصير إلى أدغال الأطلس المتوسط وبالتحديد إلى "إيرزان " من آيت بوزيد ،وانتقل أيضا إلى "آيت وايو" الجبلية من بني عياط بعدما أهدوه آيت بوجمعة مكانا ليبني فيه الزاوية سنة 1332هـ /1913م ،ومكث هناك سبع سنوات .
ثم استقر أخيرا في بني اعياط السهلية،لأن المريدين الذين كانوا يزورونه في الجبل يتكبدون مشاقا في الوصول إليه ، وهذا هو السبب الذي دعاه إلى النزول إلى السهل وبناء الزاوية التي لا زالت معروفة باسمه " زاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير" .
قال عنه مريده المؤرخ العلامة سيدي محمد المختار السوسي رحمه الله :" سيدي إبراهيم البصير الشيخ الكبير القدر الذي ظهر ظهورا كبيرا بين مشايخ الصوفية في هذا العصر وله بينهم مكانة لا تخفى ...
فعرفنا أنه في الحقيقة رجل خلق صوفيا روحانيا يزهد في الدنيا بطبيعته ولا أرب له إلا أداء حق ربه ... وقد نجح تمام النجاح في كل ما زاوله مما خلق له في هذا الميدان ولا ريب أنه من خلق لشيء ثم تيسرت له المدارك التي يتطلبها ثم لاحظته عيون السعادة في عمله، هو رجل فذ في أي ميدان من الميادين الحيوية كان ".
ومنذ هذا الوقت وزاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير ببني عياط في تقدم وازدهار مستمر سواء على مستوى مرافق الزاوية العمرانية أو على المستوى العلمي والنشاط الصوفي .
فإلى جانب تربية المريدين والأخذ بأيديهم بسلوك طريق التصوف، فقد أسس الشيخ سيدي إبراهيم البصير مدرسة قرآنية علمية يحفظ فيها القرآن الكريم لأبناء المسلمين ويتلقون فيها أحكام الدين على مذهب الإمام مالك .
وإن جميع المناطق التي مر منها الشيخ سيدي إبراهيم البصير رحمه الله وخلف فيها أتباعا وزوايا، لا زالت على علاقة وطيدة بالزاوية التي أسسها أخيرا واستقر بها ببني اعياط ،فهم إلى الآن يعدون من مريديها وأتباعها يزورونها بين الحين والآخر وخاصة في مواسمها الدينية من كل عام.
هذه المواسم التي يُحيَى أولها في يوم السابع عشر والثامن عشر من ربيع الأول احتفالا بالمولد النبوي الشريف، والثاني في ليلة القدر من رمضان.
وأتباع هذه الزاوية اليوم موجودين بالصحراء المغربية وقبائل آيت باعمران بسوس وأكادير ونواحي تزنيت ومراكش والرحامنة ودكالة والدارالبيضاء والشاوية وورديغة وتادلة وآيت اعتاب وقبائل زيان ، وهكذا فأهل الصحراء لا يعرفون هذه الزاوية إلا باسم "زاوية أهل البصير "، وأهل سوس لا يعرفونها إلا باسم " زاوية تادلة "، وأهل المناطق الوسطى والشمال يعرفون هذه الزاوية باسمها :" زاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير ".
وبعد وفاة الشيخ سيدي إبراهيم البصير عام 1364هـ/1945م خلفه على تسيير شؤونها ابنه الشيخ سيدي الحاج عبد الله رحمه الله .