سكينة بنزين.
الاختلاف في الرأي يفسد للود كل قضية، ويجعل رفاق الدرب، أو “رفاق الزنزانة” بتعبير أدق أشد الخصوم لمن يبدل رأيه قبل دينه… هي القناعة التي تفرض نفسها لكل من وقف على الحياد متابعا كم الهجوم الذي تعرض له “السلفي السابق” محمد عبد الوهاب رفيقي ، كما لا يحب أن يوصف بها من طرف الصحفيين، وكأن الرجل يتشبت بمراجعاته حد “التشدد في استخدام الأوصاف”.
تعرض محمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) لسب وشتم وهجومات بلغت حد التكفير والإخراج عن الملة، بعد أن دعا إلى المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وعبر عن رأيه بوضوح في برنامج “حديث مع الصحافة” على القناة الثانية يوم الأحد الماضي (16 ابريل) حول الحريات الفردية والعلاقات الجنسية خارج اطار الزواج وضرورة مراجعة التراث الديني، لأنه غير صالح لكل زمان ومكان.
ومنذ قراره تبني خط المراجعات، راكم ” أبو حفص” مواقف أدهشت الكثير من المتتبعين ممن اعتادوا استعمال كلمة مراجعة، كمرادف لمراوغة وفق “عقيدة التقية” في نسختها السنية، إلا أن الرجل اختار التفكير بصوت عال مسائلا ماضيه الشخصي وفق ما تبوح به تدويناته، كمن يجعل من نفسه مشروعا لتشريح كيفية صناعة العقلية المتشددة، قبل أن ينتقل لمسائلة تاريخ الأمة، أو التراث الإسلامي حسب توصيف المختصين بالشأن الديني، في محاولة لإعادة قراءة عدد من المسلمات ضمن مشروع إعلامي يترجم جدية دعوات الرجل.
أبو حفص المغضوب عليه اليوم، بعد أن وصفه المتشددون بالزنديق، والكافر، والمتقلب، والمباح دمه، والتافه، والفاشل … وضع عددا من المتشددين في خانة الحرج بعد قفزه فوق خطوط الوهم التي أراد لها التشدد أن تكون حمراء تماهيا وشهيتهم الدموية التي تحكم على المخالف بالردة، وما تحيل عليه من إزاحة مادية حين العجز عن مقارعة الفكرة بالفكرة، بعد أن تحول لعامل إحراج لباقي مكونات صف التشدد.
وعلى الرغم من الهجوم الشديد الذي تعرض له، يعلن الرجل في تدويناته أنه مستمر ” هضرنا ف 2m كتبنا تدوينة… ندوزو لسلسة تدوينات مرئية كرونيك وفي نفس الموضوع: إنتظرونا ” في تحد لكل من هاجمه بعد مروره الإعلامي الذي لفت انتباه العديدين ممن استغربوا جرعة الجرأة المرتفعة في كلامه، وإن كان للرجل تصريحات أكثر جرأة في مرور سابق ضمن حوار له على صفحات الأحداث المغربية، وتحديدا ضمن ملحق ربانيات الذي حمل فيه مسؤولية موجة الإلحاد لطبيعة الخطاب الديني المتجاوز، داعيا لإعادة قراءة نصوص التراث قبل أن ينفض الشباب يده من الدين.
وتعليقا على ما تعرض له من تكفير، قال أبو حفص في تصريح للأحداث المغربية، «هي ردود تعودتها منذ زمن ولا تشكل لي أي ازعاج سوى الخوف على تهديد سلامتي الجسدية، ولكن المؤسف في الأمر أن يكون محل هذه التعليقات وهذا التحريض والتكفير صفحة حسن الكتاني صديق الامس، والذي فتح بتدويناته المليئة سبا وقذعا الباب لمثل هذا التهييج ، فقط لآني آخذت مسارا مختلفا عن مساره ولي مواقف لا تعجبه ولا تروقه، مؤسف جدا ان يكون في مجتمعنا مثل هذه العقلية الاقصائية وان تكون الدعششة بيننا».
وعند سؤاله عن إمكانية التخفيف مستقبلا من جرعة الجرأة في تناول الشأن الديني بعد هذه الموجة من الانتقادات التي وصلت حد التكفير، قال أبو حفص ، « بالعكس أعتقد أن إثارة هذه المواضيع أصبح واجبا مهما كانت ضريبته، الاتهام بالتخلي عن الدين هو قائم بهذا الموضوع او غيره، مجرد مخالفة هؤلاء في جزئية بسيطة يجلب لك هذه التهم، ولذلك لا بد من التحمل ولا بد من الصبر لنشر اي فكرة صادمة .. مثل هذه الردود لن تثنيني اطلاقا عن مواصلة المسير، انا لست عبدا عند احد، انا حر في افكاري وقناعاتي ومسؤول عنها، الذي اريد تسجيله هو انه في مقابل هذه الحملات التحريضية تلقيت سيلا من التضامن والدعم والمؤازرة من اطراف مختلفة وهو ما يدفعني للمواصلة
صلاح الوديع عن حركة ضمير عبر عن غضبه كما هو الحال لعشرات الناشطين والإعلاميين الذين عبروا عن تضامنهم اتجاه ما تعرض له رفيقي ” لا يمكننا أن نتسامح في مصادرة الرأي لأي كان في أي مجال من مجال المعرفة والفضاء العمومي الذي يجمعنا، خاصة أن القضايا التي تسببت في هذا الهجوم تعتبر من القضايا المشتركة والملك المشاع للرأي العام التي لا يمكن لأحد أن يفرض الحجر عليها أو الوصاية كالإرث مثلا” يقول الوديع في اتصال هاتفي مع الأحداث المغربية.
المتحدث نبه أيضا إلى مسألة التهديد الجسدي بإباحة دم أبو حفص، التي اعتبرها خطوة لا تقبل التساهل خاصة أنها علنية ” لذلك أثير الاهتمام بصفتي رئيس حركة ضمير لخطورة هذا الأمر، وأن هذه الفئة يجب أن تتوقف عن غيها مما يستوجب تدخل السلطة، خاصة أن بيان ضمير الموجه للحكومة يطالب بتجريم التكفير، ونحن صارمين في هذه النقطة، لأن تطور هذا الأمر ينتج الكوارث كما هو الحال في بلدان أخرى”.
وردا عن سؤال مدى الصعوبة في فتح حوار مع فئة تعتبر أن هجومها يستند على نصوص شرعية ” تضفي قداسة” على هجومهم، أجاب الوديع ” ليس من حق أي كان أن يعطي نفسه حق الاستناد للنصوص الشرعية، ثانيا ، ما يطلق عليه النصوص الشرعية سبق أن نادينا بضرورة مناقشتها من أجل أن لا يبقى في تراثنا الفقهي الإسلامي أي تبني لدعوى للكراهية، وبالتالي المسألة مرتبطة بما اعتمده المغرب مبدئيا في دستوره من اعتماد المرجعية الكونية لحقوق الإنسان، كما أننا ننتظر تصرف الحكومة في مثل هذه المواضيع، وآنذاك سنتحدث”.