أبرز الإعلان أمس الجمعة 21 أبريل 2017، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وجمهورية كوبا، والذي مكن الدبلوماسية المغربية من قطع مرحلة دبلوماسية جديدة بحمولة رمزية أكبر، مرة أخرى، القيادة الحكيمة والاستباقية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، التي مضت بالمملكة قدما بعيدا عن الحسابات الضيقة والتوجهات الإيديولوجية التي عفا عليها الزمن.
ويأتي هذا الإعلان، الذي كان له صدى في أروقة الأمم المتحدة، والذي سيفعل الشيء نفسه في العواصم العالمية الكبرى، بعد شهور قليلة من العودة المظفرة للمغرب إلى الاتحاد الإفريقي، أسرته المؤسساتية، وهي عودة طبيعية للأمور تحمل في طياتها فرصة تاريخية لإعطاء دفعة جديدة لهذا التجمع الإقليمي، لا سيما في المجالات الاستراتيجية والحكامة الجيدة والتنمية المستدامة والدمقرطة.
وفي هذا السياق، يعكس استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وكوبا، الأمتان الكبيرتان اللتان طبعتا تاريخ منطقتيهما، وتميزتا بحضور متعدد الأبعاد على الساحة الدولية، الإرادة المعبر عنها على أعلى مستوى، من خلال الارتكاز على المثل النبيلة لتطوير علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
وهكذا، تعتزم الرباط وهافانا، من خلال استئناف العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء، تعزيز علاقاتهما في الحاضر والمستقبل الواعد. فالعبقرية الخلاقة للأمتين على موعد مع التاريخ، ولن تتأخر في بلورتها على أرض الواقع من خلال إقامة شراكة مربحة للشعبين.
ويحمل استئناف العلاقات في طياته عبرا ودروسا لكل من يتعنت في الاعتقاد بأن الشعوب تتغذى على الإيديولوجيا والخطاب السياسي المنفصل بشكل كامل عن الاحتياجات والتطلعات المشروعة. فقد ماتت المبادئ الإيديولوجية التي أججت الحرب الباردة وشبعت موتا ودفنت في ثنايا التاريخ. كما أن الأنظمة التي انكفأت على نفسها بشكل مثير للشفقة لم تقم سوى بتأخير القدر المحسوم، أي تطلع الشعوب إلى الرفاهية والازدهار.
ويضفي الأسلوب الملكي بالتالي على الدبلوماسية المغربية استمرارية وانسجاما عاما مشبعا بحس تاريخي عال، تزكيه قيم السلام وحسن الجوار والتضامن والمتطلبات الاستراتيجية، في إطار رؤية شاملة ترتكز على التزام دائم لجلالة الملك لفائدة تعزيز الحوار بين الحضارات، وإرساء السلام، والتسوية السلمية للنزاعات.
على المستوى الدولي، تمتد الدبلوماسية المغربية، المعروفة بتعدد مواضيعها، عبر نماذج ثلاثية ترتكز على حفظ السلام وتطوير التعاون، وكذا النهوض والدفاع عن القيم الكونية، وهي مقاربة مستلهمة من الاستثناء المغربي، الغني بحضارة منفتحة عريقة وقيم التسامح والوسطية. وهي جوانب متعددة تعبر عن نفسها بجلاء من خلال استئناف العلاقات بين المملكة المغربية وجمهورية كوبا، وتتماشى مع الأهداف النبيلة للتعاون جنوب – جنوب، والتي يعتبر جلالة الملك حامل لوائها.
ومع استئناف العلاقات، يكون المغرب قد عبر مرحلة دبلوماسية جديدة ذات حمولة رمزية كبيرة، فالمملكة لا تمتنع عن نهج أي سبيل حينما يتعلق الأمر بالدفاع عن المصالح الاستراتيجية للأمة، وترفض أن تكون رهينة لأية حسابات إيديولوجية تعود لعصور أخرى.
و م ع