بقلم: أحمد الشرعي .
كل هذه الأقليات ساهمت في بناء هذه الدول. الأقباط حاربوا طويلا تحت الراية المصرية، ومسيحيو الشرق نسجوا على نفس المنوال على امتداد التاريخ. يسجل التاريخ أيضا أن المفكرين الأقباط أطروا الحركة القومية العربية، ومسيحيو سوريا تحديدا، في مقدمتهم ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث، الذي حكم سوريا والعراق لعقود طويلة، أثروا في الفكر السياسي اليساري العربي في كل المنطقة، بما فيها المغرب .
الهمجية تجهل هذا الزخم التاريخي، وتقتل حتى المسلمين عند أداء شعائرهم داخل المساجد. هذا الفكر القاتل لا حدود له، ويصنه أعضائه ضمن ‘‘ الفرقة الناجية ‘‘متوعدا باقي البشرية بالفناء. هذا البعد الحقود والمثير للغثيان، هو جوهر السلفية الجهادية، وهو ما يفسر المرور السريع لتنفيذ الهجمات من طرف معتنقي هذا التيار الجدد.ليست هناك أي صيرورة روحية في هذا التطرف، أو بالأحرى، في هذا الغرق اللاإنساني.
محاربة هذه الإيديوجيا لن تقتصر على الأبعاد الأمنية فقط. المعركة ثقافية أولا وقبل كل شيء. التطرف يكبر ويزدهر على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، ليس فقط من خلال خطاباته الصادمة، ولكن أيضا عبر اتخاذ مواقف تتمترس خلف التصورات المحافظة التي تجد الصدى الكبير في الأوساط الشعبية. ثقافة الكراهية ضد النساء واليهود والمثليين والغرب الحاضر الغائب، لا تجد من يرد عليها في الأوساط المثقفة.و هو ما يفسر نجاح المتطرفين في استقطاب المزيد من الشباب لتنفيذ الهجمات الإرهابية، لأن امتلائهم بالحقد والكراهية ضد الآخر، تسهل عملية المرور السريع إلى الفعل الهمجي .
المشكل حقيقي لأننا في قلب الإعصار، والرقم الكبير للخلايا المفككة يؤكد أن التهديد الداخلي قائم بنسبة مرتفعة.إقليميا، نحن محاطون بمناطق خطيرة للغاية.منطقتي الساحل وليبيا بؤر توتر قابل للانفجار في أية لحظة، وتونس والجزائر فريستان للإرهاب المنظم، من خلال تواجد معسكرات وكتائب وأسلحة متطورة فوق أراضيها .
ينبغي علينا محاربة ثقافة ‘‘الكراهية الجاهلة‘‘أو ثقافة ‘‘الجهل الحقود‘‘ من المصدر وبطريقة مباشرة، عبر الدفاع عن القيم الإنسانية الكونية، و من خلال الدفاع عن أمننا بكل بساطة . أنه الشرط الأسمى للانتصار في نهاية المطاف على الإرهاب .
الظاهرة الإرهابية لن تختفي بسقوط الموصل والرقة، هذه مسلمة لا تحتاج إلى نقاش.وبالتالي يتوجب العمل على محاربة أسبابها، التي ليست اقتصادية فقط. هناك بعد هوياتي، يستخدمه منظرو السلفية الجهادية، ويتماهى مع ثقافة الكراهية. هذا البعد هو السبب الأول لانطلاق كل معركة ثقافية، فكرية، في إطار جبهة موحدة لا تقل أهمية عن الجبهة الأمنية .
الاستخبارات، على غرار المواجهة العسكرية، تفسح المجال لتعاون دولي، والمعركة الفكرية تدخل في صميم هذه المواجهة أيضا. المجتمع المغربي لا يسعه سوى الانخراط في هذا الجهد، لتحصين نفسه .