انتظار بنكيران ما يكفي من الوقت لتقديم استقالته من البرلمان أمرٌ يكفي لاستنتاج مدى حلاوة المناصب العليا جداً ومرارة فراقها بعدما يسقط بك المصعد النفاث الى القاع.
فان أراد بنكيران إنهاء مساره السياسي وإغلاق قوسه، فذلك شأنٌ سيحترمه المغاربة لو أنه أعلن ذلك قبل خوضه للانتخابات البرلمانية، لكن وبعدما منحه مُصدقو خطاباته الثورية خلال الحملات الانتخابية، لتمثيلهم بقبة البرلمان أما لزاماً عليه الوفاء بما تعهد به أمامهم، و الوفاء بما قال أن ‘الأصوات الانتخابية أمانة’ وألا يخون الأمانة.
بنكيران يعلم جيداً أن صورة سقوطه المدوي من كرسي ثاني شخصية بالبلاد، ستشكل له عقدة نفسيةً وهو جالسٌ بين نواب الأمة في المقاعد الثانوية لقبة البرلمان وهو ينظر الى مقعده السابق يحتله العثماني.
بنكيران يعلم جيداً أن نجاح العثماني في مهامه يعني مزيداً من الاختناق له، وهو بذلك فضل الاصطفاف الى صف الللاهثين وراء إفشال مهمة العثماني في قيادة الحكومة، من داخل الحزب المشترك وبالتالي تقديم بنكيران كضحية ومظلوم، لابعاد تهمة التسبب في البلوكاج الحكومي.
بنكيران الذي فجأة ظهر لمنتسبي حزبه، مدافعاً عن حرية التعبير والكلام داخل حزبه، هو نفسه الذي أصدر عدداً من ‘التوجيهات’ بمنع أنصاره من الكلام والتعبير في مشهد سريالي يظهر دكتاتورية الاسلام السياسي.
بنكيران الذي نادى في الناس لمنحه أصواتهم الانتخابية معتبراً إياها ‘أمانة’ وراود ‘المُبنجين’ عن أنفسهم الى أن انفرد بهم، هو نفسه الذي يخون اليوم الأمانة ويتنكر لمن منحه صوته فقط لأنه لم يعد يقوى أن يرى نفسه في غير كرسي قصر تواركة محاطاًً بعشرة حراس وجيش من موظفي الديوان، ليصير برلمانياً ‘فقط’ يطالبه الشعب بإلغاء تقاعده وتعويضاته.