قد انتهت عملية تطور البشرية من تكوين وحدة العائلة والقبيلة والمدينة والأمة و الدولة، ونرى العالم اليوم في مسيرة تطوره قد شرع في الاتجاه نحو تكوين وحدة إنسانية قد استفزها الخلاف وأرهقها. وتبقى وحدة الإنسانية المرحلة الآتية التي شرع عالم البشرية في انجازها. ولا داعي لمعارضة هذا التطور الطبيعي الآتي والذي لا ريب فيه والاختيار الذي لدينا هو إما تسريع هذه العملية والانخراط الفعال لكل فرد منا في تغيير المجتمع وبناء التعايش لتفادي العذاب والآلام وإما أن ننتظر ونظل متفرجين حتى نصل إليها بعد مآس لا تقاس. على العالم أن يعترف الآن بالترابط العضوي الكامل للعلاقات الإنسانية ويضع ميكانيزمات لتحقيق هذا المبدأ الأساسي.
حياة جديدة ترى النور في هذا العصر عند كل شعوب العالم يعلن حضرة بهاء الله وأن الهدف الأساسي الذي يرمي إليه دين الله هو حماية كل مصالح الجنس البشري والاجتهاد في تحقيق وحدته عبر العالم وهذا هو الطريق المستقيم والقاعدة الثابتة. ويضيف أن رفاهية الإنسانية وسلامها وأمانها لن يتحقق مادامت وحدتها لم تتحقق بعد! وأن من واجب ومسؤولية كل فرد منا أن يسعى بكل جهده في تحقيق هذا الهدف الأسمى حتى تصبح الإنسانية تعيش بروح واحدة وجسم واحد.
وحدة الجنس البشري حسب البهائية تعني تكوين مجتمع عالمي حيث تَتَّحِد فيه وبصفة نهائية كل المجتمعات والأمم والجنسيات والمعتقدات والطبقات مع حماية وتحصين استقلالية كل الدول وحرية ومبادرات كل الأفراد. وتَنُصُّ البهائية في آثارها أن يكون لهذه الوحدة الإنسانية:
1- مجلس تشريعي عالمي: تساهم فيه كل الأمم للحفاظ على كل الموارد وتشريع كل القوانين اللازمة لتسيير الحياة والتنسيق والتناغم بين كل المجتمعات و الأجناس البشرية.
2- سلطة تنفيذية عالمية معززة بقوة دولية: لتنفيذ قرارات هذا المحفل العالمي الذي تم التصويت عليه من طرف كل الدول والتي تسعى لحماية الوحدة العضوية للبشرية جمعاء.
3- محكمة عالمية: للتدخل في النزاعات بين مكونات هذا النظام العالمي.
4- ميكانيزم للحوار والتواصل: على وجه كل الأرض لا يخضع لتقييد وطني ويشتغل بسرعة هائلة.
5- عاصمة عالمية: تمثل المركز العصبي للحضارة العالمية تتجه إليها كل القوى لوحدة حياة الإنسانية.
6- لغة عالمية: مختارة من اللغات الموجودة أو تُخترع من جديد وتُدرس في جميع مدارس العالم كلغة ثانية إلى جانب اللغة الأم.
7- خط عالمي للكتابة
8- آداب وثقافة عالمية
9- نظام موحد وعالمي: للعملة و لقياس الوزن والمسافة يسهل التفاهم والتواصل في العلاقات بين الدول والأفراد عبر العالم.
10- الصلح بين القوتين العظمتين في حياة البشرية "الدين والعلم": حيث يكون التعاون بينهما لازدهار الإنسانية في تناغم تام.
11- تحرير الصحافة: من المصالح الخاصة والعامة ومن تأثير الأنظمة والشعوب والنزاعات.
12- تنظيم الموارد الاقتصادية في العالم وتحديد واستعمال المواد الأولية.
13- تنسيق وازدهار الأسواق العالمية والتنظيم والتوزيع العادل للمنتوجات عبر العالم.
وترى البهائية أن الإنسانية عندما تصل إلى مرحلة النضج فان التنافس والكراهية والصراعات والأحكام المسبقة سوف تندثر وتحل محلها المحبة والصداقة والتعاون والتواصل بين كل الأجناس كما ستندثر إلى الأبد كل الصراعات الدينية والانغلاق الاقتصادي والفرق الشاسع بين الطبقات الاجتماعية وستستعمل كل الثروات التي تبذر في الحروب بكل أنواعها في صالح البشرية والاستثمار في قطاعات الأبحاث العلمية والتيكنولوجية والصحية وفي كل المجالات التي تساهم في رخاء وسعادة و تطوير الفكر والحياة الروحانية للجنس البشري كله.