يحكى أن المتنبي كان مارا فناداه أحدهم وقال له: عندما رأيتك من بعيد حسبتك امرأة، وعندما اقتربت منك وجدتك المتنبي، فأجابه المتنبي: وأنا لما رأيتك من بعيد حسبتك رجلا ولما اقتربت منك وجدتك امرأة، التشبيه هنا لا يمس المرأة في شيء لأنه في زماننا قد ينطبق هذا المثل على القائمقام، وقد يعتقد هذا القائمقام أن كل ما يراه من بعيد لا يصلح لشيء وعندما يصل إليه قد يجده نافعا.
ونحن نرى أنه كلما شاهدنا هذا القائمقام من بعيد كلما اعتقدنا أنه جبل من المعرفة أو نهر عذب رقراق يطفئ عطش الحالمين والسائرين، وكلما اقتربنا منه وجدناه سرابا، وهناك من النساء من دخلت التاريخ، وهناك منهن من لازلن يدخلن يوميا لهذا التاريخ.
عندما بنيت القيروان في تونس بنت امرأة القرويين في المغرب، والحمد لله أنه في زمننا عندما لم يزهر الربيع في تونس ولم يقع الخريف عندنا، وأقف إجلالا للغنوشي ونهضته لأنه قرر الانسحاب بهدوء عندما علم أن حوارييه ليست لديهم معرفة بعلم الهندسة لبناء قيروان جديد، ورأى فيما رأى أنه يستحسن أن يترك البناء يكتمل وآنذاك يحلله أو يحرمه.
أما عندنا فالقائمقام لاهو أراد محاكاة النهضة ولاهو ترك الزرع ينمو ولاهو حفر بئرا أو خط طريقا أو مسح دمعة، لأنه فضل أن يتركهم يذهبون يقاتلون لوحدهم وجلس هنالك، واليوم لن يؤمن لأنطاكيا حتى يرى الله جهرة، وعجبت للقائمقام كيف أصبح يحاكي قدم أُبي ابن سلون في بذلة تركية، وعندما قذف أنبل شخص لديهم بالرغم أنه يذكرهم كلما نادوه بعشقهم العثماني وهو الطبيب المرهف والرجل الكتوم الأنيق، فكيف لي أن أثق بعد اليوم في تحليلات القائمقام بعدما انقلب بل وسب هذا الرجل النبيل، وقد قيل "نون الهوان من الهوى مسروقة" وعندما نسرق نبل الرجل في البناء مع الاستقرار فإننا نكون أمام القائمقام الذي يريد أن يصبح سلطانا ولو على الأنقاض، فهذا السلطان الغير المتوج يحلم يوميا بل ويدعو في أنفاسه لتذبل (الدلاحية) وهو اسم نوع من الصبار لا ينبت إلا في جبال الريف، فكما طعم الصبار والموز لديه سيان فالهوان والهوى في دمه شريان.
بقلم رفيق أكيز