فطومة نعيمي.
مرتديا الأسود، رشيقا تماما كما ” فأرته” الشهيرة، وقف الرسام الكاريكاتوري الفرنسي جان بلانتو وراء الميكروفون، نحيلا بشعره الرمادي الخفيف، متوجها إلى حضور كثيف غصت به جنبات القاعة. أتى لملاقاة صاحب تجربة غنية في مجال الرسم الصحافي.
أشهر رسام كاريكاتوري مشاكس في فرنسا، وبصوته الخافت بعض الشيء، شرع يتحدث مساء يوم الثلاثاء 11أبريل الجاري بالمكتبة الوطنية بالرباط، عن بعض جوانب عشقه ومهنته وكلاهما صنعا شهرته . رأسا، كشف سر تقنيته في التعاطي مع المواضيع : الغش. “أن ترسم فأنت تغش“، وهو أسلوبه المعتمد للمراوغة الذكية وتجاوز الخطوط الحمراء وكذا الرقابة، سواء الذاتية أو الخارجية.
بالنسبة لجان بلانتو “كل المواضيع قابلة للإثارة والخوض فيها “، إذ “يكفي فقط أن يعثر الرسام على طريقة ذكية للتعامل مع موضوع ما لإيصال فكرته . لابد من بعض الخبث والدهاء في التعاطي مع المواضيع“.. وهو يتحدث تتحرك يده بخفة وتقنية عالية فوق شاشة الحاسوب وتنجز رسوما كاريكاتورية مختلفة تحمل بصمته : رسوم تمزج بين الأحداث المتناقضة والمتضاربة والبعيدة ظاهريا لكنها تعود متقاربة وذات صلة في العمق حينما يظفي عليها فكرته. وهي الرسوم الباعثة على السخرية والضحك .
هذه ميزته أو تقنيته الخاصة : تركيب الأحداث في ما بينها للدفع إلى التساؤل والضحك. عشرون دقيقة كانت كافية كي يستعرض بلانتو بعضا من “أسراره الثقيلة“، وهي الدقائق، التي تخللتها لحظات ضحك ومرح . كل سياسيي بلاده مروا من تحت أصبعه وألبسهم ما أراد من أفكار وهو يشدد على أن الاستفزاز يتوجه بالضرورة نحو إثارة الأسئلة وليس إثارة الجدل المجاني. بالنسبة للبعض، بدا بلانتو مسالما على غير العادة وأقل شراسة اتجاه أهدافه. لكنه يوضح :” لا أريد في فتح جبهات حروب مجانية . أريد فقط أن أستمر في الرسم كما كنت من قبل . كل المواضيع قابلة لأن تتم إثارتها بسخرية لاذعة لكن بذكاء “.
بالنسبة لبلانتو، الاشتغال على تحقيق السلام يمر بالضرورة عبر الانفتاح على الآخر و” الإنصات للآخر. وأنا أسعى للإنصات للجميع. والرسام الصحافي لابد من أن يظل منفتحا ومصغيا لما يجري من حوله. الانغلاق والانكفاء على الذات لا يحققان النضج ولا الاستمرارية الإيجابية . وباستمرار يجب البحث عن سبل التجدد والتجديد لإيصال أفكاره المزعجة والمشاكسة لكن الإيجابية وليس الهدامة“.
يؤكد على أنه سيظل “مزعجا مثل الفأرة التي تزعج الجميع لكنها مع ذلك ليست صعبة الاصطياد في الواقع“.. غير أن خفتها وذكاءها يمنحانها القدرة على مراوغة الفخاخ.
وفي خلال زيارته للمغرب، في إطار معرض “تصور معايا“( تخيل معي) ، الذي تنظمه جمعيته “كارتونينيغ فور بيس” ( الرسم لأجل السلام)، سيكون للرسام الكاريكاتوري الفرنسي فرصة لقاء مجموعة من الرسامين المغاربة المشتغلين في ذات مجاله، الذين سيستفيدون من دورة تدريبية يؤطرها على مدى أيام 12و13و14أبريل 2017.
والمعرض، الذي يضم مجموعة من الرسومات الكاريكاتورية، التي أبدعها رسامون شباب حول مواضيع وإشكالات راهنة من قبيل المساواة والصحة والمدرسة العمومية والديمقراطية والشغل وحرية التعبير.. وذلك في إطار مشروع “نيت ميد يوث“، الذي تشرف عليه اليونيسكو بدعم من الاتحاد الأوروبي ومشروع “لنرسم لأجل السلام والديمقراطية” الذي تشرف عليه جمعية الرسام بلانتو، تم تدشينه يوم الثلاثاء 11أبريل الجاري بالمطتبة الوطنية التي سيظل فيها إلى حدود 24أبريل، حيث من المقرر أن يجوب المغرب ليحط الرحال بالمدن حيث توجد مقرات المعهد الثقافي الفرنسي، شريك التظاهرة.