قال عالم الاجتماع الكبير والفقيه والمؤرخ عبد الرحمن بن خلدون منذ قرون "العدل أساس الملك". الأساس هو الركيزة التي تقوم عليها الأشياء. والدولة لا يمكن أن تقوم لها قائمة دون عدل. ولا يمكن تحقيق العدل دون قضاء مستقل عن السلط الأخرى. القضاء سلطة قائمة الأركان ولا يقبل أن يكون نصف مستقل. ولا تمييز بين مراتب القضاة وصفاتهم سواء كان قضاء واقفا أو جالسا.
بتعيين المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي يترأسه جلالة الملك، يكون المغرب قد دخل مرحلة من مراحل إقرار الحكم الديمقراطي وفق المعايير المعمول بها في كبرى الديمقراطيات. لقد تم إخراج هذا المجلس بعد أكثر من خمس سنوات على المصادقة على دستور 2011، ليس رغبة في التأخير ولكن لأنه مجلس متميز عن الباقي، ويحتاج إلى تدقيق في خروجه من القوة إلى الفعل.
المجلس الأعلى للسلطة القضائية من خيارات الدستور الجديد، وقد تم تهييء القانون المنظم له بكامل التأني، لأنه لا يقبل أي خلل. وفعلا خرج المجلس وفق تصورات جلالة الملك للقضاء المستقل ووفق معايير استقلالية السلطة القضائية عن باقي السلط.
الأحكام تصدر باسم جلالة الملك. لكن هذه الأحكام يصدرها قضاة. والقضاة بشر مثلنا لهذا لابد من إطار قانوني يضمن وفاء القاضي للقسم ولضميره فقط دون تدخل من سلطة أخرى خصوصا السلط الصادرة من وزارة العدل، وها هي اليوم تنتهي بشكل كامل بعد أن أصبحت النيابة العامة تابعة مباشرة لسلطة المجلس الأعلى للقضاء وليس لوزارة العدل.
لا تكتمل أركان النظام الديمقراطي إلا بوجود سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية مستقلة الواحدة عن الأخرى. لكن هذه الأخيرة هي الضامن للسير العادي لباقي السلط بل هي الأداة لتنفيذ القوانين وإعمالها، وبدونها تصبح الدنيا فوضى وبدونها تشط السلط ويطغى بعضها على بعض وبدونها لا تكون هناك علاقات بين المؤسسات والمجتمع ولا بين أفراد المجتمع أيضا باعتبارها هي الضامن للحق والواجب.
وبهذا التعيين يكون قد تم تعزيز مكانة القضاء في البناء المؤسسي الوطني والارتقاء بالسلطة القضائية إلى سلطة قائمة الذات، مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. كما تم توسيع اختصاصات المجلس، وضمان تنوع وتعددية تركيبته، وتعزيز انفتاحه على محيطه.
ويعتبر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، مؤسسة دستورية تسهر على تدبير شؤون القضاة وتوفير الضمانات الممنوحة لهم، ولاسيما في ما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم.
وفي الدين الإسلامي الحنيف، وباعتبار الملك هو أمير المؤمنين إلى جانب رئاسته للدولة، فإن للقاضي مكانة كبرى باعتباره الفيصل فيما ينزع بين أطراف المجتمع من نزاعات، وسواء كانت هذه الأطراف أشخاصا أو حتى مؤسسات أو بين المؤسسات والأفراد، وباستقلال القضاء واطمئنان القضاة تتوفر كل شروط العدل، الذي هو أساس الملك. القاضي هو حارس الشرائع ومانعها من الانتهاك والاعتداء عليها من أي جهة كانت.