لعل السر في نجابة وظهور الإمام مالك يكمن في أمه العاقلة؛ تلك التي أحسنت توجيه ابنها، واختارت له الطريق السوي، وفي هذه القصة سنتعجب حين نعلم أن مالكا الطفل لم يكن يريد أن يتجه إلى العلم، وإنما رغب في أن يتعلم الغناء ويتقنه، وبالتالي يصبح مغنيا!
لكن أم الإمام مالك لم ترض لولدها ذلك، وفي لطف شديد استطاعت أن تصرف ولدها عن فكرته، وأن تختار بديلا سريعا له، وهو العلم؛ ذلك الذي يرفع من قدر البيوت وإن كانت خاملة، ويُعلِي من قيمة الرِّجال وإن جاءوا من حضيض الفقر.
يقول الإمام مالك عن تلك القصة: “نشأتُ وأنا غلام، فأعجبني الأخذ عن المغنين، فقالت أمي: يا بني، إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يُلتَفَت إلى غنائه؛ فدع الغناء واطلب الفقه. فتركت المغنين وتبعت الفقهاء، فبلغ الله بي ما ترى”.
فهذه الأم الفاضلة لم تكذب على ولدها وتقول له: إنه قبيح الوجه؛ إذ لم يكن مالك كذلك، بل كان وسيمًا، وإنما هي أرادت أن توحي إليه بما يصرفه عن عزمه، فقالت قولتها المهذبة.
ولم يتوقف دور أم مالك عند ذلك، ولم تكتف بتوجيهه إلى طلب العلم، بل إنها ألبسته ثياب العلم ووجهته إلى من يتعلم منه، وقالت له: اذهب فاكتب الآن، واختارت له المعلم وكان أشهرهم آنذاك الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن.
وبذلك بدأ الصبي الصغير مالك بن أنس مسيرته الطويلة في طريق العلم حتى صار إماما فذا من أئمة المسلمين وشيخا من شيوخ الفقه.