يتحدث عبد الإله بنكيران، رئيس حكومة تصريف الأعمال والأمين العام للعدالة والتنمية، عن معاركه الجديدة، حيث سرب من خلال الطبالجية والصيارفة سيناريوهات عمله المقبل، ومحاولة تصويره كرجل للمعارضة الجذرية، رغم أنه لم يمارسها ويوم كانت في المغرب معارضة جذرية، كان الزعيم الإسلامي الشاب آنذاك يراسل إدريس البصري، الوزير القوي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، كي يتعاون معه على ضرب اليسار، الذي كان يشكل قلعة حقيقية للنضال من أجل المطالب المدنية.
بعد تضحيات جسام قدمها الآخرون وأكل غلتها بنكيران ومن معه، لم يستوعب اليوم أن الوقت الذي تغير لم يتغير لفائدته فقط ولكن للمغرب ككل، وقبل إعفائه من التكليف بتشكيل الحكومة، كانت كل المؤشرات توحي بأن صلاحية الرجل انتهت، وذلك من خلال استقصاء خمس سنوات قضاها في الحكومة، لم يحقق فيها شيئا غير الكلام، وبعد خمسة أشهر من المفاوضات، قضاها في التنابز بالألقاب مع خصومه السياسيين.
بنكيران لا يريد أن يستوعب قبول سعد الدين العثماني لرئاسة الحكومة، وكان مصطفى الرميد قال إنه لن يكون بديلا للزعيم حتى لا يكون "بنعرفة" العدالة والتنمية، وبما أن اللعبة الديمقراطية اقتضت ما اقتضته من تعيين شخص ثانٍ من الحزب الفائز بالرتبة الأولى وفق قواعد الدستور فإن الزعيم، الذي تمت صناعته في غفلة من الجميع لأداء أدوار محددة، أصبح يرسل التهديدات بخوض معارك مقبلة.
والسؤال هنا: معركة مع من وضد من؟ فالمعركة مع سعد الدين العثماني، الذي داس عليه خلال مؤتمر 2008 ولم يدافع عنه في التعديل الحكومي لسنة 2013، قد بدأت قبل تشكيل الحكومة، من خلال العديد من القرارات التي استصدرها الزعيم من المجلس الوطني، والتي كان الهدف منها تقييد حرية رئيس الحكومة المعين، ثم رفع الفيتو في وجه دخول شخصيات معينة للحكومة، وهو أمر ليس من مهمات الأحزاب السياسية.
لكن المعركة الكبيرة يريدها مع الدولة. ناسيا أن المؤسسات هي سبب وجوده وبقائه على قيد الحياة السياسية. فلولا المؤسسات القوية التي لا تتعامل بالعاطفة لكان في خبر كان يوم اتجهت مجموعة من الأصوات، حتى من داخل الدولة، للمطالبة بحل الحزب نظرا لمسؤوليته المعنوية عن التطرف المؤدي للإرهاب.
سيكون بنكيران مخطئا إن لم يكن داريا باشتغال المؤسسات في المغرب وبالحدود التي يسمح له الشعب بالتحرك فيها، لأن هناك قناعات لدى المغاربة، وهي أنهم يصبرون على كل شيء إلا أن يتم المساس بالاستقرار، الذي هو اليوم عملة صعبة تستطيع جذب كل العملات الأخرى ولا يتحرك الاستثمار إلا بضمانات الاستقرار.
فليس أمام بنكيران من خيار آخر بعد انتهاء صلاحيته سوى الذهاب للتقاعد المريح دون شوشرة تضره أولا وتضر حزبه ثانيا قبل أن تمس الآخرين. ويلزم أن تترسخ لديه قناعة أن الوقت لم يعد وقته ولن تجديه العنتريات في شيء ولا الخطب الرنانة لأنه معروف من أي طينة سياسة تمت صياغته.
Annahar almaghribiya