ربما قد تناسى المواطن المغربي، وبدون تعميم، أنه قد توجه يوما ما لانتخاب من سيتولى تدبير شأنه العام ومتطلباته اليومية بعد نهاية مرحلة انتداب ما كان يصطلح على تسميته بحكومة بنكيران. ربما لكوننا بثنا في زمن ليس كالزمن حيث اختلطت فيه اللا مبالاة بالأمل واليأس بالانتهازية. والحالة هذه، فلا يمكن ولا يتقبل من أية جهة أو فاعل كيفما كان لون جلبابه نفي مضمون التقارير الدولية وبعضها الوطنية بخصوص ما تءن ن تحت وطأته شريحة عريضة من المجتمع المغربي من شدة تدهور المجال الاجتماعي (الشغل والصحة والتعليم والسكن... ). لن نبالغ بالقول أن الحال كان أفضل قبيل انتداب حكومة بنكيران ولكن اليقين أنه انهار من جراء مسلسل القرارات الاقتصادية المتخذة انطلاقا من صندوق المقاصة مرورا عبر آلية تحديد أسعار المحروقات وختاما بمهزلة طريقة معالجة صندوق التقاعد. قرارات ناهضتها ولا زالت تناهضها جل القطاعات من خلال مسيرات تزعمتها فعاليات صاعدة تحت لواء تنسيقيات منذ خمس سنوات انجلت في غياب أية مؤازرة فعلية وجدية للفاعل النقابي والحزبي الذي كان مكتفيا كعادته بالتنديد المعهود و"البهلواني" تارة وتارة أخرى بالغياب المنسق ساعة التصويت على اتخاذ القرارات. ومن الأكيد أن بروز تنسيقيات لتعبير جلي على إرادة جيل جديد يحمل رؤية مغايرة لمعالجة قضاياه ويناضل كما ناضل من كان قبله في زمن آخر وتحديات أخرى قصد تأكيد تواجده في مرحلة يؤمن بكونها مرحلة التغيير.
وليس هذا أي الواقع الاجتماعي المعاش بوليد الصدفة بل هو نتيجة اختيار سياسة اقتصادية واجتماعية آمن وأوهم البعض بخطابها واكتوى واقعيا وفعليا بسلبياتها الطبقات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة (يمكن استثناء إفلات ثلة من محيط رئيس الحكومة السابق التي ارتقت بفضل الريع وعائدات المناصب التي أهديت لهم جزاء نجاحهم على الركوب والإقبار المؤقت لمتطلبات شباب20 فبراير ). فكيف يهلل البعض بحصيلة سياسية إيجابية معللين زعمهم بنتائج الانتخابات؟ والعقلاني أن هذه النتائج وجبت أن تقرأ عكسيا أي انطلاقا من ارتفاع نسبة المقاطعين والعازفين عن المشاركة السياسة إذ تبرهن هذه النسبة السخافة والبهتان الذي فطن به هؤلاء لا من حيث الخطاب ولا من حيث الممارسة وخصوصا التيقن من التنسيق بين الكل قصد الإبقاء على المواقع المكتسبة المدرة لخيرات الريع. وقد يكون لمنحى العزوف تبعات سلبية إذ هو نوع من المعارضة وقد يتحول فيلبس لونا مغايرا.
أما الاختيار الاقتصادي، فيكفي القول أن البلد الذي يدان بأكبر مما ينتج فإنه يصبح فاقدا لاستقلالية قراره الاقتصادي بل ومهددا وراهنا الاقتصاد المستقبلي للبلاد. هذا، مع التساؤل حول وجهة هذه المديونية في وقت يعتمد فيه على إضعاف القدرة الشرائية للمواطن قصد تمويل إصلاح مبهم لصناديق لم يكن للمواطن دخل في إفسادها كما تم تعليل ذلك في تقرير لجنة التقصي. فلما المديونية إذا في وقت بلغت نسبة النمو 1 في المائة؟ كيف الادعاء بقوة الاقتصاد أو كونه في طريق النمو واقتصادنا يستهلك أكثر مما ينتج ومصاريفه أكثر من إيراداته. ولكن ماذا يصرف ولتمويل ماذا ومن يحاسب على تدبير صرف الإيرادات أو المداخيل؟ ربما هناك نظرية اقتصادية جديدة وجب الاطلاع عليها تهم " كيفية فهم تدبير الاقتصاديات المبهمة" أو "نظرية فهم التدبير المبهم للاقتصاديات المعاصرة".
من اليقين أن المديونية لم توجه لإصلاح قطاعات الاقتصاد الوطني لكون هذه الأخيرة قد فوتت للخواص بما فيها القطاعات الاجتماعية التي هي سائرة على الدرب وعلى رأسها التربية والتكوين. إلا أن هذا المنحى قد يبدو غير متناقض ومبادئ الليبرالية الاقتصادية البدائية البائدة ولكن المتناقض هو عدم توافق الأرضية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمنح الخواص مكونات الشأن الاجتماعي لكونه في الأصل من اختصاص القطب العمومي والمواطن يؤدي ضرائب قصد تمويله والاستفادة منه جماعيا. وإذا كان البعض يولي الاهتمام للرقي الاقتصادي على أساس أن يشكل القاطرة التي تسحب معها رقي القطاع الاجتماعي فوجب العلم أن هذه المواكبة ليست حتمية مع العلم أن الاجتماعي بات صمام أمان لاستمرارية الرقي الاقتصادي والاستقرار السياسي. ومن الأكيد أن ما يشهده المغرب من احتقان واحتجاجات اجتماعية يعود بنسبة عالية إلى فشل جعل الاقتصادي قاطرة للاجتماعي. بل الأغرب من ذلك كون مدبري الشأن العام يطمحون في جل القطاعات بما فيها الاقتصادي والاجتماعي لتدبير الخواص في محاولة الاستغناء عن دورهم في تحصين والرقي بالقطاعات الاجتماعية معتبري أنها قطاعات "غير منتجة" وما هي إلا عبء على ميزانية الدولة. وما ابتكار ما يصطلح عليه بالاقتصاد التضامني والتكافل الاجتماعي ومبادرات المجتمع المدني وغيرها إنما هي مجرد آليات صورية غريبة ودخيلة عن نمط تدبير الاقتصاد الوطني وعلى جوهر فكر تدبير الاقتصاد الليبرالي. علاوة على أن هذه الآليات لم تؤت بقيمة مضافة ملموسة بل أثبتت عدم نجاعتها لكونها لا تعدو أن تكون إلا "بدعة اقتصادية". فما للدولة هو للدولة وما هو للخواص يبقى للخواص وما وجب على الدولة القيام بصفتها مجموعة مسؤولين تم انتخابهم هو ضمان استمرارية تحصين والرقي بالقطاعات الاجتماعية من خلال ترشيد توزيع الثروة وإرساء جسور التكامل بين الاقتصادي والاجتماعي. ذلك أنه ليس من الايجابي الاقتصار على تحسين مؤشرات ماكرو اقتصادية على حساب تدهور المؤشرات الاجتماعية وما يمكن أن ينجم عن هذا المنحى خصوصا مع تراكماته قد يصعب التحكم أو التعامل في تبعاته بل قد يكون تهديدا للنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي.
ANOUNE EL ASSILI HABIB