محمد أبويهدة
الاحتجاجات التي يعرفها إقليم الحسيمة والتي يرفع المشاركون خلالها مطالب اجتماعية، من قبيل بناء مرافق عمومية وإنجاز بنيات تحتية، هي احتجاجات عادية في حدود المطالب التي ترفعها، لكن خلف هذه الاحتجاجات نبهنا في الجريدة إلى ما يحاك في الخفاء من طرف فئة قليلة ممن لها أجندات أخرى غير تلك التي يعبر عنها مواطنو الإقليم بكل عفوية.
على امتداد سنوات هذه الجريدة كان الوطن والمواطن هما خطنا التحريري، استعرضنا مئات الآلاف من المشاكل الاجتماعية والمادية لفئات مجتمعية مختلفة، لم نكن نتوقف عند حدود المطالب الجماعية التي تهدف إلى تغيير واقع متدهور ما وتصحيحه، بل حتى تلك الفردية التي يقتنع مواطن بسيط ما، أنه على حق بخصوصها عرفت طريقها إلى النشر على صفحاتنا، من خلال معالجتنا لكل القضايا التي تهم المواطن المغربي.
لكن في الحسيمة ورغم عدالة مطالب سكانها، إلا أن هناك فعلا من يحاول استغلال هذه المطالب، ويركب على النزعة الانفصالية والقبلية في الريف كي يؤجج الرأي العام بالإقليم، ويبعث الفتنة من رمادها.
ما الذي يعنيه تحويل مباراة رياضية بين فريق الإقليم وفريق آخر من الدارالبيضاء إلى عنف وهمجية واعتداء؟ ثم ماذا يعني الهجوم على أفراد الأمن بالإقامة السكنية التي يقطنون بها وترويع عائلاتهم وأبنائهم، وإضرام النار في السيارات والحافلات، وتحويل الإقامة إلى قطعة من جحيم تتعالى فيها ألسنة اللهب؟ وراء كل هذا العنف والحقد المتأجج في صدور فئات اجتماعية معينة، جهة ما تحاول استثماره في مشاريعها التي لا تخدم بأي شكل من الأشكال مصلحة الوطن.
مئات الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى الانفصال، أعلام ما يسمى بجمهورية الريف تظهر فجأة في بعض الاحتجاجات… هذه ليست اتهامات نوجهها لمواطنين يحتجون للمطالبة بمستشفى ومدرسة ومرافق عمومية، لكن خلف هذه الاحتجاجات هناك فعلا جهة تستغل معاناة الناس ويجب فضحها، سواء داخل المغرب أو خارجه.
هذه الجهة هي نفسها التي انتفضت بعد أن أصدرت الجريدة تحقيقا حول ما تقوم به بعض الأطراف التي تتدثر تحت الاحتجاجات لتنفخ في رماد الفتنة كي تبعثها من جديد، فتجاوزت انتقاد ما نشرناه إلى التحريض على الجريدة وتهديد صحافييها ونشير هنا بالاسم إلى الزميل سعيد نافع الذي فضح مؤامرة مروجي النزعة الانفصالية بمعطيات دامغة، فتحول في نظر هذه الفئة إلى خائن فرغ فيه البعض جام غضبه على مواقع التواصل الاجتماعي، ونال الكثير من التهديد والوعيد ناهيك عن السب والشتم.
وفي إقليم الحسيمة كان هناك طاقم آخر من الصحافيين لنقل واقع ما يحدث وليربط الاتصال مع الفاعلين والمحتجين لاستجلاء الحقيقة أكثر، والوقوف على المطالب الاجتماعية للسكان، وإجراء حوارات لتسليط الضوء عليها، غير أنه لمس حقدا كبيرا تجاه الجريدة، ولولا أنه عمل متخفيا لكان ضحية غضب موجه حرض عليه «موقظو» الفتنة.
لا يعرف تجار النزعة الانفصالية أن السيل الكبير من التهديدات التي تلقتها الجريدة بعد فضحهم واستغلالهم لمواطنين بسطاء، لن يزحزحها قيد أنملة عن خدمة الوطن والتنبيه في كل لحظة إلى من يحاول استهدافه، وإلى المؤامرات التي تحاك لزعزعة استقراره.
لا يعلم المتاجرون بالوطن أن «الأحداث المغربية» قد جربت الإرهاب الفكري يوم واجهت الإسلام السياسي ولم ينفع معها تهديد، ويوم واجهت التطرف والإرهاب ولم تتراجع حتى بعدما توصلت -في عز تنامي الاعتداءات الإرهابية- بطرد ملغوم مهيء ليفجر مقر الجريدة، ويضع نهاية لهذه الشوكة التي أدمت أقدامهم وواجهت العنف والأفكار المتطرفة في المجتمع.
اليوم فتنة جديدة تتربص بالوطن وتستغل النزعة الإثنية والمذهبية، وهو ما نجح في بلدان عربية أخرى، وسبق لخبراء مغاربة ومتخصصين أن نبهوا إليه.
الوقوف في وجه هذا المخطط هو دورنا، ونعلم جيدا كيف نقوم به، طبعا في حدود مهمتنا الإعلامية.