نالت "مقاطعة" الملك محمد السادس للقمة العربية التي جرت فعالياتها بالعاصمة الأردنية عمان، إشادة كبيرة من المتتبعين وخصوصا لدى محللين سياسيين وإعلاميين عرب، في حين تحدثت بعض القراءات عن أوامر من ترامب موجهة للقمة.
وتابعت وسائل الإعلام العربية ومختلف المتتبعين لهذه القمة، بدقة خطوات الملك محمد السادس قبل القمة، ففي الوقت الذي تأكدت مشاركته قبل ساعات من انطلاقها، قرر الملك إرسال صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، لينوب عنه في أشغال الجلسة الافتتاحية، قبل ساعات قليلة من انطلاقها، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات، خصوصا أن الملك قرر مقاطعة القمة السابقة في موريتانيا، بسبب ما تعرفه الساحة العربية، إضافة إلى مقاطعته لباقي لمختلف القمم منذ 2005.
وأعاد غياب الملك، مسألة انقسام الصف العربي إلى الواجهة، وعدم أهمية مثل هذه القمم العربية، وما يترتب عنها من قرارات، وما يُتلى فيها من كلمات وبيانات وغيرها، غير أن القراءة التي حظيت بمتابعة أكبر، وبتحليل أدق، هي تلك التي قدم الكاتب والمحلل السياسي العربي عبد الباري عطوان، خلال مشاركته في إحدى البرامج الحوارية على قناة "فرانس 24"، والذي أشاد بغياب الملك محمد السادس عن القمة، مؤكدا أنه كان صائبا في غيابه.
وحسب عطوان فإن القمة العربية بعمان لم تكن موجهة إلى الشعوب العربية، مضيفا أنها كانت موجهة إلى الإدارة الأمريكية، حيث تحدث عن ما جاء في البيان الختامي، وخصوصا في ما يتعلق بتأييد العرب لفكرة المصالحة مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي التي تحتلها منذ سنة 1967، وتأييدهم لإعادة إطلاق المباحثات الإسرائيلية الفلسطينية انطلاقا من حل الدولتين، معتبرا أن هذا البيان ليس إلا إعادة لسابقه من البيانات الختامية للقمم السابقة، وذلك في معظم ما جاء فيه.
غير أن عطوان قال إنه توقف كثيرا عند ما أسماه المصالحة المصرية السعودية، وعودة العلاقات بين الجانبين إلى طبيعتها، وخصوصا أن هناك دعوة من طرف العاهل السعودي للرئيس السيسي لزيارة الرياض، قبل أن يضيف أن معظم كلمات الزعماء العرب لم تكن موجهة إلى الشعوب العربية، بل كانت موجهة بالدرجة الأولى إلى الإدارة الأمريكية، وللرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مفسرا كلامه بالقول: "هذه القمة ستكون نقطة انطلاق لتأسيس تحالف سني عربي بالإضافة إلى إسرائيل التي ستكون عضوا غير مباشر أو شرفي في هذا التجمع".
وأضاف المحلل السياسي الذي تحظى كتاباته بمتابعة كبيرة، أن الرئيس ترامب هو الذي أوعز بهذه المصالحة المصرية السعودية، عندما كان ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يزور واشنطن، مضيفا أن هذه المصالحة بدأت باستئناف إرسال الشحنات النفطية السعودية لمصر التي تقدر بحوالي 700 ألف طن شهريا، مشيرا أن السيسي وضع أصبعه على كلمة السر في كلمته في أشغال الجلسة الافتتاحية، عندما قال "علينا أن نحارب النفوذ الإيراني في المنطقة، ونجابهه بحزم.."، مضيفا أن هذا هو محور القمة العربية على وجه التحديد، على الرغم من أن هناك حديث عن القضية الفلسطينية، والتي قال عنها إنها ستستخدم غطاء للعلاقات الإسرائيلية العربية المقبلة.
وذهب عطوان إلى أبعد من ذلك، حينما قال "ربما نسمع عن مؤتمر سلام يُعقد في واشنطن تشارك فيه الدول العربية لدعم عمليات السلام واستئناف المفاوضات ويكون الرئيس الفلسطيني شاهد زور، ويتم في هذا المؤتمر تأسيس الخطوة الأولى للتطبيع بين البلدان العربية وإسرائيل، قبل أن يتم الانسحاب وتقوم الدولة الفلسطينية على أساس حل الدولتين"، قبل أن يتهم ترامب بممارسة الابتزاز في حق الدول العربية وخصوصا بلدان الخليج، والتي يعتبرها الرئيس الأمريكي، حسب رأيه، هي المال فقط، مضيفا أن ترامب يعتبر أنه لولا الحماية الأمريكية لما استمرت هذه البلدان، كما أنه يريد أن يحشد دول الخليج في مواجهة إيران، إذ يرغب في مواجهة باردة أو ساخنة ضد إيران، ويستخدم فيها البلدان العربية والخليجية على وجه التحديد، مشدّدا على أن البلدان العربية ليس عليها أن تنجرف خلف ترامب في توقيع المزيد من صفقات الأسلحة بعشرات المليارات، متسائلا "لماذا نوتر علاقاتنا مع الجارة إيران".
وشدّد عطوان على أن الملك محمد السادس أصاب حينما قرّر عدم المشاركة في هذه القمة، لأن "هذه المؤسسة هرمت وضعفت وذبلت بشكل كبير.. وأيضا هناك من يقول أن محمد السادس يركز على إفريقيا"، مضيفا أنه سبق وقاطع القمم العربية لأنه يعتبرها كلام فارغ وليست فيها قرارات، وحتى إن كانت لا يتم تطبيقها في الواقع.
ويبدو أن الملك قرّر عدم المشاركة في هذه القمة، لأنه علم بما كان يُطبخ فيها، وما زيارة الملك الأردني للمغرب إلا محاولة لاستدراجه إليها، حتى يكون جزء منها، غير أن الملك أظهر مجددا على أن سياسته الخارجية تنبني أساسا على مبدأ الاستقلالية في القرار والمصلحة العليا للوطن، كما أن مشاركته في القمة لن يستفيد منها المغرب أي شيء ما دامت لم تُقدم له أي تطمينات بخصوص وحدته الترابية على مستوى صحرائه.