بما أن الشغل الشاغل للناس هذه الأيام هو موضوع علياء المهدي وصورها "الفاضحة" من وجهة نظر البعض، أو "المفجّرة للحرية" من وجهة نظر البعض الآخر؛ فقد أحببت أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع بما أنه حديث الـ"فيسبوكيين" هذه الأيام.
بداية سأتحدث من منطلق شخصي بحت له علاقة بطبيعة شخصيتي وفهمها لمنطق الحرية وإيماني به، وكل هذا يتماشي مع عقيدتي التي أؤمن بها، ويتسق معها في الوقت نفسه.
من هذا المنطلق أحب أن أوضح أني أؤمن تماما بحرية الفرد في فعل ما يحلو له، ما دام لا يتعدى بحريته هذه على حريتي الشخصية، أو يقوم بفرض آرائه الشخصية فرض العين عليّ كأنها حقائق يجب عليّ اتباعها، وهذا ينطبق على كل ما حولي من مظاهر في الحياة؛ فلا مشكلة لديّ في معتقدات الأشخاص سواء كانوا متدينين بدين أو لا، ولا مشكلة لديّ في ميول الأشخاص ما دام لا يطلب مني هذا الشخص التعاطي معه في هذا الأمر، كما أنني لا أحب أن أسفّه من عقيدة أي شخص مهما كانت، في مقابل ألا يسفّه أي شخص من عقيدتي التي أتدين بها.
حسنا من هذا الأمر العام أهبط إلى الأمر الخاص المتعلق بعلياء وصورها و"ثورتها".. فلأتحدث عن الصور في المقام الأول، ثم أنتقل إلى "ثورتها" بعد ذلك.
بالنسبة لما فعلته علياء، وكونها صوّرت نفسها عارية ونشرت صورها؛ فلا مشكلة لديّ مع هذا الأمر؛ لأنها تفعل هذا الأمر في نطاق حريتها الشخصية البحتة؛ ولكن بحيث تخل بالقواعد العامة التي اصطلح العالم عليها وجرّم اختراقها؛ فقد فرضت المجتمعات عالميا عدة ضوابط عامة؛ منها: عدم التعري في الأماكن العامة، وما فعلته علياء بالضبط أنها تعرّت في مكان عام وأمام الجميع، منتهكة حرياتهم ودون أي تحذير.. وإذا كنتِ تريدين مني أن أحترم حريتك في أن تتعري؛ فأتمنى منك أن تحترمي حريتي في أني أرفض أن أشاهد هذا العري، هذا هو حقي التام الذي أطالب به.
ضعي أمامي حرية الاختيار أن أشاهد أو لا أشاهد مثلما تفعل أغلب المواقع التي تضع مواد لمن هم فوق سن الثامنة عشرة، ربما وضع جوجل تحذيرا قبل دخول مدوّنتك؛ لكن فيس بوك ترك الأمر على الغارب وكذلك تويتر.
تحدّثت علياء عن ثورة تحررية فكرية من خلال صدم المجتمع حتى يتخلص المصريون من "هوَسهم الجنسي"، ويتعاملوا مع الجسد فيما بعد من منطلق محايد، وهذا منطق مغلوط؛ فمع اعترافي بالهوس الجنسي لدى الغالبية العظمى من المصريين -ولا أستثني نفسي منهم- إلا أن القيد المجتمعي الذي ارتضيناه جميعا يفرض علينا احترام المظهر العام الذي وافقت عليه الغالبية العظمى من المجتمع، وعليه ففي هذه الحالة أصبح مَن يفعل مثلها أمام خيار من اثنين؛ إما أن يرتضي العيش في هذا المجتمع بقواعده وضوابطه التي ارتضاها الغالبية العظمى منهم وعدم فرض وصاية على المجتمع تشبه محاولة الجهة المضادة التي تتمثل في التيار الإسلامي المتشدد المناهض لجميع الأفكار التنويرية أو الفكرية؛ حتى أصبح الطرفان وجهين لعملة واحدة تحاول فرض نفسها على المجتمع بشكل من أشكال العنصرية والعنصرية المضادة.
أو أن يخرج من هذا المجتمع باحثا عن مجتمع آخر يتقبله بكل مطالبه التي لا يستطيع تحقيقها في المجتمع الذي يرفضه.
نهاية ما أريد الوصول إليه أن التطرف الفكري في أي صورة كان هو أمر مرفوض في المجتمعات الناضجة أو المجتمعات التي تحاول النمو، وفرضها بأي صورة غير منطقية ولا تتماشى مع المجتمع سيؤدي في النهاية إلى لفظ هذا المجتمع لهذا المتطرف أيا كان توجهه الفكري أو العقائدي، مهما طالت المدة أو قصرت؛ خاصة في ظل محاولات جادة للنهوض بالمجتمع بصورة سليمة؛ فأنا أعتقد أن ثورة علياء التي تحاول تحقيقها -وعلى الرغم من رفضي الشخصي لها- سوف تحقق هزة حقيقية في المجتمع الذي تسيطر عليه العنصرية الذكورية.. ولا أحد يعلم ما الذي ستسفر عنه في الفترة القادمة.