أسيل سامي
أرجو ألا أثير حنق الكثير من النساء والقليل من الرجال ممن يدافعون عن حق المساواة بين المرأة والرجل …وأنا أرفع شعار “الشعب يريد إسقاط المساواة” ، لكن المرأة العربية مسكينة مغلوب على أمرها في كل الأحوال سواء طالبت بحقها في التساوي بالحقوق والواجبات مع الرجل أو سلمت بأنها فشلت في ظل تركيبة مجتمعية موغلة في التناقضات ومليئة بالمفاهيم الرجعية التي تختلط فيها العادات بالتقاليد بالتفسيرات الدينية.
المرأة العربية ظلت تناضل على مدى عقود لتحصل على حقوقها وتنعم بالمساواة مع الرجل. ساندها بعض الرجال وعاندها الكثير منهم، واستطاعت بعد جهد جهيد وحروب فتاكة أن تقنع الرجل (بعض الرجال ) والمجتمع (قلة من المجتمع) أنها قادرة على ولوج مجال العمل وتبوء المكانة المرموقة بين أقرانها الرجال لكنها لم تفلح في إقناعه بأنها طالما أصبحت على قدم المساواة معه في المجتمع لابد له في المقابل أن يعينها في دورها الأصلي: الإنجاب وتربية الأطفال ورعاية الأسرة و”الطبخ والنفخ”.
الرجل العربي الذي رضي بالمساواة على مضض لم يشأ أن يتنازل عن تربعه عرش الأسرة، وها هي المرأة العربية المتورطة تجد نفسها اليوم ملزمة بعبء مضاعف. فهي عليها أن تؤدي دورها في المنزل على أكمل وجه ابتداء من الطبخ والتنظيف وتربية الأولاد ومتابعة واجباتهم المدرسية وتلبية طلبات الزوج الأزلية إضافة إلى العناية بمظهرها وحسنها، لا تنسوا فهي مشروع مقارنة دائمة مع نجمات الغناء والتمثيل في محطات التلفزيون وأي خلل في هذا الأمر سيجعلها عرضة للنقد الجارح والسخرية .
وفي نفس الوقت عليها أن تؤدي دورها الوظيفي بإبداع ومهنية وندية دون توقع أي مساعدة من قبل الرجل.
ولا رحمة للمقصرات فأصابع الاتهام جاهزة لتشير إلى السيدة إن بدر منها تقصير صغير . ألا تطالبين بحقوقك ؟ ألم تدعي أنك قادرة على لعب نفس الدور الذي يلعبه الرجل في المجتمع؟
وهنا لابد أن أستحضر المقارنة مع الغرب، فتلك وإن بدت للبعض مقارنة مكررة ومستهلكة ، لكنها حاضرة بقوة من خلال نماذج ناجحة في هذا المجال…..في الغرب تجاوزوا عقبة المساواة وتوزيع المهام منذ أمد بعيد. أصبح الرجل ملما بكل هذه الأمور صار يطبخ وينفخ ويرعى ويجالس الأطفال بل ويحصل على إجازة وضع عندما تضع زوجته مولودها لكي يعينها في مراحل الولادة الأولى.
وفي بعض دول الغرب فرصة أحد الطرفين بالحصول على وظيفة كاملة، بمعنى دوام طويل والتزام وتفرغ للعمل ، سواء كان هذا الطرف الزوج أم الزوجة ، تستدعي من الطرف الثاني أن يكون جاهزا لتحمل الجزء الآخر من المسؤولية …مراقبة الأطفال ، تربيتهم ، صحتهم ، فروضهم المدرسية ، تنظيف المنزل ، التسوق وواجبات منزلية عدة . والطرف الثاني الذي يتولى هذه الواجبات يتفانى في تأديتها ويحرص على راحة الطرف الأول ، العائد من يوم عمل مرهق فيعمل على توفير جو الراحة والهدوء له وتلبية طلباته. وأكاد أجزم أن من يقرأ هذه السطور لا يفكر إلا بطريقة واحدة وهي أن الطرف الأول هو الزوج والطرف الثاني هو الزوجة…
لكن تلك الرؤية التقليدية لم تعد تنطبق بالضرورة على الحياة المعاصرة ، ففرص العمل يمكن أن تتاح للرجل كما للمرأة ، بل فرص المرأة في الحصول على وظيفة جيدة وبراتب مجز أكبر من فرص الرجل لأسباب عديدة قد يطول عرضها هنا.
لكن الملاحظ أن في العالم العربي كثير من الأزواج الذين لا يقدرون عمل المرأة ولا يراعون ظروف المرأة العاملة ويصرون على ترك انطباع بأن عمل المرأة رفاهية غير ضرورية وجميل يتفضلون به على زوجاتهم لمجرد أنهم سمحوا لهن بالخروج للعمل ، رغم أن بعضهم لا يجازف حتى بالتفكير بالاستغناء عن الدعم المادي الذي يوفره راتب الزوجة. ويرعبه أن يصبح المعيل الوحيد للأسرة وقد اعتاد أن تكون الزوجة شريكا ماليا ذا ثقل كبير.
بل أن هناك نماذج عديدة لرجال ” عطالة بطالة ” استسهلوا عملية خروج الزوجة للعمل وراحوا يمتطون قارعة الطريق ويعدون النجوم في باحات المقاهي، والأدهى يحاسب البعض منهم زوجته على تقصير منزلي لم تقترفه وعودة متأخرة للمنزل ليس لها يد فيها ، فساعات عملها لابد أن تكتمل ليتمكن ” الأخ ” من استلام راتبها آخر الشهر ، يعده دينارا دينارا قبل أن يدسه في جيبه فرحا مختالا وكأنه من صب غزير عرق الجبين على تلك النقود. بعضهم يداري عقدة النقص بتصرفات هوجاء يحاول من خلالها هدهدة ضمير نائم يخشى أن يصحو على غفلة من الزمن، فتراه يحول المنزل إلى جحيم من المشاكل والمعارك والحجج والاتهامات ، لتشعر تلك الزوجة أنها دائما العنصر المقصر رغم كل التضحيات.
وهنا تنقلب معادلة المساواة بين المرأة والرجل وتصبح فارغة من كل محتوى فتلك ليست مساواة بل مغالاة في قهر المرأة وتحميلها ما لا طاقة لها به.
أكاد أجزم أن الكثيرات من النساء تراجعن في قرارة أنفسهن عن مبدأ المساواة وتمنين أن يعدن إلى الزمن الذي كانت فيه “المرة مرة والرجال رجال”.. هي دورها ينحسر في حدود البيت والأطفال وهو في العمل وكسب الرزق.ولا نستبعد في ظل حمى الثورات والربيع والخريف أن ينطلق شتاء عربي تخرج فيه النساء حاملات لشعار ” الشعب يريد إسقاط المساواة”.
فلتسقط المساواة وتعيش المرأة في عزها ودلالها وبيتها وعملها.