يقولون "الرفيق قبل الطريق"، ولا يمكن وضع العربة قبل الحصان. ينطبق هذا تماما على تشكيل الحكومة. حسنا فعلت الأحزاب السياسية لما تواضعت على تشكيل أغلبية بعد أكثر من خمسة أشهر من البلوكاج، التي تسبب فيها عبد الإله بنكيران، وأفصح سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المعين، عن تحالف سداسي حيث سيتم الإعلان عن الحكومة قريبا جدا.
المغرب اليوم في حاجة إلى تشكيل حكومة لأنها ستفك البلوكاج الحقيقي، الذي لم يستوعبه بنكيران، إذ توقف الاقتصاد بشكل كبير، وخسر العقار أكثر من الثلث، وخسرت المقاولات، التي أغلقت أبوابها وشردت العمال، وتم تجميد قانون المالية في مكاتب مجلس النواب، وضاعت على البلاد نصف سنة من البلوكاج الحقيقي.
ولتدارك الأمر لابد من تشكيل الحكومة في وقت قياسي ولابد من الإنجاز السريع، لكن السرعة تقتل كما يقال ولهذا فهي في حاجة إلى سائق جيد يستطيع السير بتوازن، ولهذا لزاما على رئيس الحكومة أن يبحث عن البرنامج قبل الحكومة، أي البرنامج قبل توزيع الحقائب.
نعرف أن صياغة برنامج موحد تتطلب وقتا غير يسير، لكن الأحزاب المتوافقة لابد أن تلتقي حول عناوين البرنامج الحكومي، لأن البرنامج هو الذي يحدد الهيكلة، حتى يتم اقتسام الوزارات وتقسيمها وفق ما هو متوفر من طاقات داخل الأحزاب السياسية.
لكن عهدنا أنه يتم تقسيم "الغنيمة" أولا، أي توزيع حصة على كل حزب، وبالتالي البحث عن وزارات تليق بكل حزب حتى تم استحداث وزارات لا تقوم بأي دور وإلا فليحدثونا عن وزارة الجوطيات التي لم نسمع لصاحبها حسيسا مدة ثلاث سنوات.
حزب العدالة والتنمية، الذي تسبب أمينه العام في البلوكاج، تحدث عن حكومة قوية تحظى بثقة جلالة الملك.
الحكومة المقبلة لابد أن تأخذ بعين الاعتبار سلطة التعيين، وقد كان جلالة الملك واضحا في خطاب دكار، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، عندما وجه الأحزاب إلى تكوين حكومة تراعي التحولات الجيوستراتيجية وتموقع المغرب الإفريقي، بما يعني ذلك من إخضاع البرنامج والتشكيلة الحكومية لهذا التوجه بل اختيار وزراء يتناسبون مع هذه المهمة الجديدة للمغرب تجاه إفريقيا.
فالعثماني مطالب اليوم بأسلوب جديد في تكوين الحكومة واختيار الوزراء. فكما أتى بأسلوب جديد في المشاورات بدأت بلقاءات شكلية مع الأحزاب أمام أعين الإعلام تلتها لقاءات بعيدة عن الأعين، هي التي أفرزت الأغلبية على عكس بنكيران الذي كان يحاور الأحزاب من خلال الكتائب الإلكترونية والطبالجية والصيارفة.
هذا الأسلوب لابد أن ينعكس على باقي الخطوات، حتى لا يتحول إلى مجرد ديكور، وبالتالي الحكومة القوية والمنسجمة لابد لها من منطلقات ومعايير ليس من بينها توزيع حصص على أحزاب فقط ولكن ينبغي أن يشترط على الأحزاب التوافق على البرنامج والصيغ الكبرى وتحديد طبيعة الوزارات التي تجيب على البرنامج قبل توزيع الحقائب وتشتيت الوزارات.