مصطفى الفن.
مخطئ من يعتقد أن هذه الصور المرفقة بهذا المقال مفبركة أو آتية من بعض بؤر التوتر المعروفة مثل الرقة أو الموصل أو الفلوجة..
هذه الصور قادمة من الحسيمة وبوعياش وإمزورن شمال المغرب بعد مواجهات عنيفة بين محتجين بمطالب “غامضة” والقوات العمومية.
حصيلة هذه المواجهات، التي جرت وقائعها أمس الأحد، كانت ثقيلة بحسب مصادر من عين المكان: إضرام النار في حافلة وثماني سيارات تابعة للأمن.
إصابة ثلاثة عناصر من القوات العمومية بكسور خطيرة وهم الآن في وضع صحي حرج.
إحراق مخزن في ملكية تاجر كان صاحبه قد وضعه رهن إشارة القوات العمومية في وقت سابق.
الأنباء تتحدث أيضا عن إصابة 42 محتجا بجروح مختلفة بعضهم قد تكون حالتهم صعبة.
اعتقالات وتوقيفات وسط المحتجين وأنباء عن شبه حظر للتجول في كل من الحسيمة وإمزورن لكن من دون أن يوقف هذا الحظر الاحتجاجات التي استمرت الى وقت متأخر من الليل.
وجاءت هذه التطورات الخطيرة عقب مظاهرة تلاميذية خرجت من بوعياش وإمزورن في اتجاه الحسيمة قبل أن يتم اعتراضها من طرف قوات الأمن في النقطة الفاصلة بين بوعياش وإمزورن.
ولأن المحتحين بلا مطالب واضحة ربما فلم يكن يهمهم أن ينتدبوا من بينهم لجنة لمحاورة السلطات المحلية.
المحتجون أصروا على مواصلة مسيرتهم نحو الحسيمة في تحد للقوات العمومية ومسؤوليها الذين كانوا حاضرين في عين المكان
وكانت هذه هي الشرارة الأولى لما تبقى من أحداث عنيفة وصلت الى حد “إطلاق القنابل القنابل المسيلة للدموع لتفريق المحتجين الذين رفضوا التراجع الى الوراء”، وفق ما قاله ناشط من المنطقة ل”كود”. .
حصل كل هذا دون أن تخرج وزارة الداخلية عن صمتها لتخبر المغاربة بما يجري ويدور في هذه المنطقة ذات الحساسية الخاصة.
وليس وزارة الداخلية هي التي التزمت الصمت فقط، بل حتى الهيآت السياسية والمدنية بالمنطقة التزمت الصمت في هذه القضية كما لو أن هذه الأحداث تقع في دولة أخرى غير المغرب.
المثير أن هذه الاحتجاجات الغامضة لم يتزعمها رموز وقادة الحراك الذي أعقب مقتل الشاب محسن فكري في شاحنة لطحن النفايات.
هذه الاحتجاجات تزعمها تلاميذ غير معروفين في ساحة الاحتجاج بالمنطقة، ولا أحد يعرف مطالبهم ولا الأطراف السياسية التي قد تكون وراءهم في هذا التوقيت السياسي الذي يتجه نحو ميلاد حكومة من ستة أحزاب بلا ممثلين من الريف.
كل شيء وارد، والإحساس بالشمتة قد يدفع المشموت الى إطلاق النار ليس على من حوله فقط، وإنما حتى على نفسه لعله يشعر بالتوازن في واقع يراه مائلا.
المهم في هذا كله ألا أحد تبنى هذه الاحتجاجات ولو أن بعض المصادر تحدثت عن فصيل يساري يحمل اسم “لكلاكلية” قد يكون هو وراء هذه المسيرة التلاميذية التي قادت الى كل هذا الكم الهائل من العنف.
كل الفاعلين في المنطقة وضعوا مسافة بينهم وبين هذه الاحتجاحات التي خرجت من تحت الأرض دون سابق إعلان.
بعض هؤلاء الفاعلين اكتفوا بتدوينات على الفايسبوك استنكروا فيها ما وقع من عنف.
وبدوره، كتب برلماني العدالة والتنمية عن الحسيمة نبيل الأندلسي تدوينة على حائطه دعا فيها التلاميذ المحتجين بجوار مخفر للشرطة بإمزورن الى الانسحاب من الشوارع لتفادي أي مواجهات مع قوى الأمن.
الأندلسي قال أيضا “إن ما يقع ليس بريئا”، محملا، في الوقت نفسه، جهة ما دون أن يذكرها بالاسم “مسؤولية جر منطقة الريف الى مستنقع العنف”.
وفعلا، فمهم جدا أن نتساءل. فمن هو هذا الذي يريد شرا بالريف؟
ونقصد هنا الريف الذي خلا من رموز ذات زهد سياسي وذات مصداقية تمثله لا تلك الرموز التي لم تعد تقوى على الدخول الى مدن الريف إلا بسيارات مصفحة أو ليلا خشية فضائح النهار.
لا أريد أن أعطي دروسا للآخرين في معنى الانتماء الى الوطن لأن الوطن ملك للجميع. ثم إن إعطاء الدروس للآخرين لا يدخل ضمن مهام صحافي بل ربما هذا من مهام السياسي.
لكن ما هو مؤكد منه أن مفهوم الوطن لدى بعض السياسيين عندنا مرتبط في المقام الأول بمدى حجم استفادتهم من منسوب ريع هذا الوطن.
بقي فقط أن أحيي ذاك “الجندي المجهول” وصاحب النظرة البعيدة، الذي قتل المارد في قمقمه قبل أن يشتد عوده وتقع “الواقعة” المؤدية رأسا الى سقر.
وسقر المارد ليست إلا إمارة ريفية صغيرة لا تأتمر بأوامر العاصمة.