زكية حادوش
في تصريح السيد عبد الإله بنكيران لوكالة "رويترز"، عقب إعفائه من طرف جلالة الملك من مهامه كرئيس حكومة مكلف بتشكيلها، قال إن هذا ملكنا وإن قراره جاء في إطار الدستور الذي يحترمه ويعتبره مرجعا له. وأردف قائلاً: "سأتوضأ وأصلي وأواصل العمل...".
جميل جداً، كلام رصين ولائق ديبلوماسيا، لكنه غير مقبول من الناحية السياسية بالنسبة لشخصية عمومية قادت حكومة بلادنا لسنوات وحزباً له، ولأسباب لا داعي لذكرها، تأثيره في الخريطة الانتخابية وفي المشهد السياسي الوطني، كما قاد ولخمسة أشهر مفاوضات تشكيل الحكومة. لكن مساعيه باءت بالفشل وانتهى الأمر بتحكيم ملكي لأن فكرة البقاء بلا حكومة أمر غير ممكن، رغم أنه مستساغ بالنسبة لجزء كبير من المواطنين الذين ينعتهم بعض المتحزبين بالعدميين!
بعيدا عن "إطلاق الرصاص على سيارات الإسعاف" وعن شحذ السكين عندما تسقط البقرة، ما قاله رئيس الحكومة السابق يجعلنا نتساءل كيف سلِمت الجرَّة وهل سلمت الجرة فعلا طيلة سنين ترأسه للحكومة السابقة؟ لأن الجزء الأول من تصريحه ليس سوى تحصيل حاصل. ثم هل بمقدوره أن يقول غير ذلك؟ أما الجزء الثاني فيدخل في إطار المسائل الشخصية التي لا تهمنا.
قلت إنه غير لائق سياسيا، لأن من واجب شخص مثله كُلف بمهام جسام من طرف أعلى سلطة في البلاد أن يقدم تفسيراً لإخفاقاته أمام الرأي العام وأن يساءَل عن حصيلة جهوده ويجيب عبر وسائل الإعلام. ومن حقنا عليه أن يخبرنا بما يعنينا في تدبير الشأن العام ومن حقه أن يعبر عن موقفه من قضية إعفائه وعن آرائه بخصوص اجتماع حزبه للتفاعل مع القرار الملكي. لأن حرية التعبير عن المواقف والآراء يكفلها الدستور الذي ليس مرجع السيد بنكيران وحده، بل مرجع الأمة بأسرها.
أما الحديث عن الوضوء والصلاة فمسائل شخصية لا تعني إلا صاحبها، مثلها مثل الحديث عن شرب المشروب الذي استغله بعض إخوان بنكيران، في إطار الشعبوية الانتخابية، للهجوم على شخصية عمومية يسارية. بل أبعد من ذلك، ما يستحق أن يعرفه الرأي العام ليس هو هل يؤم السيد بنكيران زوجته وابنته في الصلاة داخل بيته، بل ما موقع زوجته في الحزب وانتخاباته وما هو منصب ابنته في رئاسة الحكومة؟ لأنه حين يوصد باب بيته عليه يصبح مواطنا عاديا مثلنا جميعا ولا يستحق منا سوى احترام حياته الشخصية، لكن كل ما يقوم به كمسؤول عن تدبير شأننا العام هو ما يهمنا ويعنينا وما يجب أن نستوضحه.
ليس من أخلاق السياسة خلط الشخصي بالعام، وعدم التمييز بين الفرد كبشر يعيش حياته الشخصية مثل سائر البشر، يأكل، يشرب، يتزاوج (ولا يهمنا كيف) ويتعبد (وهذا من شأنه هو فقط) ويمشي في الأسواق! وبين الفرد كشخصية عمومية مكلفة بتدبير الشأن العام تتحرك في الفضاء العام، سواء كان سياسيا أو إعلاميا، وتتخذ قرارات تعنينا وتنعكس علينا وعلى أجيالنا اللاحقة.
ربما كان عذر السيد بنكيران أنه جاء في سياق دولي يتميز بهذا النوع من "الشعبوية" والعبث واللخبطة، من ترامب الذي أرغد وأزبد حين توقف البعض عن التعامل مع دار أزياء ابنته، مرورا بمرشحي الانتخابات الرئاسية الفرنسية المشغِّلين للزوجات والأبناء والأصدقاء، إلى فضائح شخصيات كبرى لم تميز بين حسابها الشخصي والخزينة العامة للدولة... نافلة القول، ومع كامل احترامي للسيد بنكيران، التمييز ليس مطلوبا فحسب بل هو بعض من الأخلاق في السياسة. وإذا لم يقتنع فليصدر بلاغا صحفيا كلما هم بالوضوء والصلاة، خمس مرات في اليوم، دون احتساب النوافل...