تقدم سلوكات وبلاغات حزب العدالة والتنمية لمرحلة مابعد إعفاء بنكيران وتكليف العثماني مجموعة ملاحظات ستكون محددة لمسار الحزب في المستقبل وعلاقاته بالدستور وشكل تمثله لقواعد اللعبة السياسية، وكذا طبيعة علاقاته مع باقي القوى السياسية والاجتماعية ، فالأمر يتعلق بسلوكات خطيرة مطلوب من قيادات العدالة والتنمية الانتباه إليها قبل حدوث انزلاقات في المستقبل.
الحزب “ المكلوم “ على بنكيران يريد جعل الأنظمة الأساسية للعدالة والتنمية “ أسمى “ من الدستور
رغم احترام المقتضيات الدستورية المنصوص عليها في مقتضيات الفصلين 42 و47 من الدستور بتكليف سعد الدين العثماني بعد فشل بنكيران، فإن الحزب ظهر غير قادر على التحرر من إعفاء بنكيران، وأنتج مقابل ذلك سلوكات يريد من خلالها عن وعي أو غير وعي إظهار أن مرجعية االعدالة والتنمية وأنظمته الأساسية أسمى من الدستور، فسعد الدين العثماني يستقبل زعماء الأحزاب السياسية المتشاور معها داخل مقر حزب العدالة والتنمية في محاولة لإظهار أن الحزب هو المقرر الحاسم في تشكيل الحكومة، فضغوطات قيادات العدالة والتنمية تريد أن تجعل من العثماني قيادي حزب مكلف وليس رئيس حزب مكلف دستوريا، وهذا انزلاق خطير يطرح مرجعية الحزب مقابل مرجعية الدستور رغم أن الحزب السياسي يستمد مرجعيته من الدستور ويبقى في نهاية المطاف منظمة مسماة في الدستور، فالعدالة والتنمية في لحظة هيجان يقلب المعادلات، وفي صورة ثانية يظهر السيد العثماني أمام الإعلام محاطا بثلاث قيادات من الحزب تُقدم رسالة واحدة للرأي العام بوجود ثلاث تيارات : تيار العثماني وتيار بنكيران وتيار التوحيد والإصلاح، ويعكس عدم الثقة بين التيارات الثلاثة بعد الهجوم على عزيز الرباح في أول مجلس وطني بعد تكليف السيد العثماني ، فالصراع على السلطة الحكومية قسم الحزب بسرعة والخوف على ضياع السلطة الحكومية يدفع بكل التيارات الى مراقبة العثماني المكلف دستوريا، وهي عملية أخرى فيها مراقبة التيارات وحركة التوحيد والإصلاح لمضمون التكليف الدستوري ومساراته المحتملة، وفي صورة ثالثة يتولى مصطفى الخلفي منصب الناطق الرسمي باسم “رئاسة الحكومة المكلفة”، فالأمر يتعلق بإحداث منصب بدون أساس قانوني والخطير أنه منصب حزبي يُفرض على رئيس حكومة مكلف دستوريا، ليتضح مرة أخرى أن العثماني يريد ممارسة تكليف دستوري لكن الألة الحزبية للعدالة والتنمية تُريد أن تفرض عليه مرجعية وأنظمة الحزب لتجعلها أسمى من الدستور، ولا أعتقد بوجود حزب يشتغل بهذه المقاربة في العالم، فالعدالة والتنمية قريب بهذه الممارسات التي كانت سائدة في أنظمة الحزب الوحيد مثل الحزب الشيوعي السوفياتي أو الكوبي أو حزب البعث في سوريا أو العراق، فطريقة تفكيره في المفاوضات ونظرته لباقي مكونات الحقل السياسي خلال الأسابيع الأخيرة تجعله قريبا من هذه النماذج.
“مرض القوة الوهمية” في الحزب ومرثيات “الخنساء” بعد نهاية الزعيم.
ويبدو أن حزب العدالة والتنمية يعيش وضعية نفسية صعبة ناتجة عن مناخ التهييج السياسي الذي أحدثه بنكيران في الحزب طيلة السبع سنوات الماضية، فالحفر الأركيولوجي في نفسية الحزب يقود الى ملاحظة أن القواعد الجماهيرية ارتبطت بالزعيم ولم تعد ترى للحزب زعيم آخر غير عبدالإله بنكيران، مما يعني أن العدالة والتنمية ينتج نموذجا شخصانيا تحررت منه الأحزاب والنقابات المغربية، كما أن الحزب يعتقد بقوة وهمية، ويبدو أن نتائج الانتخابات فاجأته ولم يقرأها قراءة صحيحة بعد ذلك، فالحزب الذي لم يستطع تشكيل حكومة رغم وجود حزبين في البداية اقتربا منه ( الاستقلال والتقدم والاشتراكية) ويحتاج مقابل ذلك لأربعة أحزاب لتشكيل حكومة، ليس حزبا قويا بل يعاني من وهم ناتج عن النظرة بعدسات سياسية لا تدخل معدلات المشاركة في قياس القوة ولا تدخل طبيعة علاقة المغاربة بالأحزاب السياسية في القياس.
وبإعفاء بنكيران، لم تستسغ القواعد وبعض القيادات فكرة النهاية السياسية الحتمية للزعيم، لذلك نجد مجموعة كتابات أحيانا في شكل مرثيات “الخنساء” التي فقدت إخوانها، والمطلوب اليوم إنقاذ الحزب من هذه الفرويدية السياسية المفطومة على شخصانية الزعيم، والانتباه الى التداعيات والأثر المتوقع لهذا التهييج الذي مورس داخل الحزب خلال السبع سنوات الأخيرة، فالقواعد الحزبية لن تقبل بزعيم غير مهيج، وبنكيران انتهى سياسيا، وفي حالة إصراره على الاستمرار سيتصدع بنيان الحزب لكون الظروف تغيرت، وحزب الأصالة والمعاصرة الذي بنى عليه بنكيران استراتيجية التهييج والزعامة استوعب الدرس، وبلقاء العثماني وحزب الأصالة والمعاصرة في مشاورات تُبقي كلاهما في موقعة تتبدد نظرية المؤامرة التي لن تساعد العدالة والتنمية في إنتاج نفس الخطاب خلال السنوات المقبلة.
عبد الرحيم المنار اسليمي