محمد أكديد*
تقديم
عادة ما يرتبط اسم الشيعة بالغلو سواء في بعض عقائدهم كالغلو في أئمة أهل البيت (ع) أو الممارسات كالتطبير (أي جلد الذات) خلال إحياء طقوس عاشوراء، وذلك مما تصدى له ورفضه الكثير من علماء ومراجع الطائفة العقلاء قديما وحديثا بدءا من أئمة أهل البيت(ع). بيد أن بعض خصومهم يأبون إلا الطعن في كل المذهب وتشويهه بكل ما يروج من مظاهر الغلو التي تتردد خصوصا لدى العامة وبعض الدعاة المتطرفين بعد أن نجح الغلاة في دس الكثير من رواياتهم المفتراة في المتون المعتبرة لدى الشيعة عبر تاريخ طويل، مما خلق متاعب جمة لعلماء ومحققي المذهب قديما وحديثا في غربلة هذا التراث المتناقض.
بدايات الغلو:
لقد ظهر الغلو في الشيعة مباشرة بعد استشهاد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع)، إذ ادعى جماعة منهم بأنه لم يمت ومازال حيا، ولن يموت قبل أن يخضع له العرب جميعا1، ويفتح العالم بأسره. وقد تجددت هذه الدعوى بحق ولده محمد بن الحنفية عندما زعم أتباعه بأنه لم يمت، بل اختفى عن الأنظار وبأنه سيظهر في آخر الزمان، ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملأت ظلما وجورا2. وقد اعتبرت هذه الفكرة من قبل السواد الأعظم من المسلمين غلوا، وسمي أصحابها بالغلاة، وكان هذا أول مفهوم لتلك الكلمة3.
الغلاة الملحدون:
منذ أوائل القرن الثاني ظهر أشخاص وفرق يؤلهون أفراد البيت النبوي، وقد روي بأن الإمام علي (ع) قد أحرق جماعة منهم ألهته، إلا أن هناك شكوكا تحيط بهاته الرواية.
وقد ادعى حمزة بن عمارة البربري4، الذي انفصل عن الكيسانية (وهي فرقة من غلاة الشيعة) بأن محمد بن الحنفية هو الله، وأنه قد أرسل حمزة البربري إلى الناس5. كذلك ادعى العديد من الأشخاص ألوهية الإمام الصادق (ع) أو باقي الأئمة من آل بيت الرسول (ص). وقد كانت لهؤلاء جميعا تفاسير باطنية خاصة للشريعة والشعائر الدينية ينتهي القول عادة بنسخها وتحليل محرماتها، مما كان يؤدي في الغالب إلى عزلهم عن باقي مكونات المجتمع الإسلامي.
ومن أبرز رواة هؤلاء الغلاة الذين نعتوا بالغلاة الملحدين أو "الطيارة"، والذين ذكرتهم كتب الرجال نجد؛ أحمد بن محمد بن يسار و علي بن عبد الله الخديجي، وعلي بن عبد الله الميموني، وعلي بن أحمد الكوفي، وداود بن كثير الرقي، وفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني، وحسن بن أسد الطفاوي، وإسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان الأحمر، و جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، والمفضل بن عمر الجعفي، وأبو سمينة محمد بن علي الصيرفي، وقد عده الكشي (546) قرينا لأبي الخطاب الذي لعنه الإمام الصادق وطرده، وغيرهم كثير ممن أشار إلى فساد عقيدته المحققون في سير الرجال6.
المفوضة:
خلال العقدين الثالث والرابع ظهرت في زمان الإمام الصادق (ع) فرقة جديدة من غلاة الشيعة، تستقي أفكارها أيضا من فرقة الكيسانية وتشكل امتدادا لها خصوصا في اعتبار آل محمد(ص) على أنهم موجودات فوق البشر، ذووا علم مطلق يشمل علم الغيب7، وبأن الله تعالى قد أعطاهم صلاحية التشريع، وبأن لهم القدرة على التصرف في الكائنات وهي قدرة فرعية تابعة لقدرته تعالى خلافا للغلاة الملحدين الذين يعدون هذه القدرة أصلية. كما أنهم نسبوا للأئمة الكثير من المعاجز بلا دليل كإمكان سماعهم لأصوات الملائكة و أصوات زوار مراقدهم..فارتفعوا بهم على سائر البشر ولذلك سموا بأهل الإرتفاع، ولو أنهم اشتهروا بلقب "المفوضة".
وقد تأثروا في ذلك بنظرية الحلول (أي حلول روح الله أو نوره في جسم النبي أو الإمام)، حيث تطورت هذه الفكرة بعد ذلك إلى اعتبار الإمام مظهرا لجانب من روح الله، انتقل من آدم عن طريق سلسلة من الأنبياء حتى وصل إليهم. ويدعون في ذلك بأن الله تعالى أول ما خلق النبي والأئمة (ع)، وأنهم وحدهم خلقوا بقدرته المباشرة ومن مادة مختلفة عن المادة التي خلق منها باقي البشر8، ثم أعطاهم الله تعالى القدرة وفوض إليهم أمور الخلق، ولذلك فإن كل ما يحدث في العالم هو صادر منهم9 !!
وكان بعض المفوضة يقولون بأن الوحي ينزل على الأئمة كما كان ينزل على النبي (ص)، وأنهم يعرفون جميع لغات البشر بل يعرفون منطق الطير وسائر الحيوانات، وأنهم يتمتعون بقدرات غير محدودة، وعلم لامتناه، وأنهم موجودون في كل مكان10 !!
وقد كان أول من صدع بهذه الآراء في المصادر الشيعية، المفضل الجعفي وقد خلفه بعد وفاته أبو جعفر محمد بن سنان الزاهري، وكان له الكثير من المريدين في الوسط الشيعي آنذاك. وبعد بضعة عقود –أواسط القرن الثالث- ظهر محمد بن نصير النميري11، وهو من علماء البصرة، ومن أتباع المفضل ومحمد بن سنان، ليضيف إلى مدرستهما عقائد باطنية أخرى في الحلول والتناسخ، وليعيد هذه المدرسة إلى حالتها الخطابية الأولى (وقد كان أبو الخطاب قد أله الإمام الصادق (ع) فلعنه).
ومن أبرز رواة "المفوضة" الذين ذكروا في كتب الرجال، وقد كانوا يضعون الروايات وينسبونها إلى الأئمة (ع) نجد؛ إسحاق بن محمد البصري، وإبراهيم بن يزيد المكفوف، والخيبري بن علي الطحان، وعبد الله بن خداش المهري، ومحمد بن بحر الرهني، وإبراهيم بن إسحاق الأحمر، وأحمد بن علي الرازي، وأمية بن علي القيسي، وجعفر بن معروف السمرقندي، وعبد الله بن بحر الكوفي، وأحمد بن علي الرازي..
جهود الأئمة (ع) والعلماء في فضح الغلاة:
ما إن ظهرت اتجاهات الغلو في المجتمع الشيعي لأول مرة وبدأت في الإنتشار حتى انبرى أئمة أهل البيت (ع) وتلامذتهم المخلصين للتصدي لهؤلاء الغلاة وفضحهم، رافضين إعطاء أي صفة فوق بشرية للأئمة، مؤكدين على أنهم ليسوا إلا "علماء أبرار" من بيت النبوة، ومراجع أوصى بهم الرسول (ص) أمته بالتزام نهجهم في تفسير الكتاب وبيان السنة. بل إن من فريقا من علماء قم خلال القرن الرابع كانوا يذهبون إلى أن الأئمة، وبالرغم من كونهم مفترضي الطاعة، إلا أنهم في جانب كيفية العلم بالشريعة لا يختلفون عن باقي علماء الدين.
وقد كان الإمام الصادق (ع) يحذر من الغلاة، حيث ورد عنه قوله: "احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم، فإن الغلاة شر خلق الله.."، كما ورد عن الإمام الرضا (ع) قوله: "الغلاة..صغروا عظمة الله، فمن أحبهم فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا، ومن والاهم فقد عادانا، ومن عاداهم فقد والانا.."12.
وقد برز من أتباع الأئمة (ع) في هذا المنحى العالم الكوفي الشهير أبو محمد عبد الله بن أبي يعفور العبدي وقد عاصر الإمام الصادق (ع). وحدث أن جرى بينه وبين المعلى بن خنيس -أحد أصحاب الإمام الصادق ممن يرى بأن الأئمة هم في منزلة الأنبياء- فما كان من الإمام الصادق إلا أن دعم وجهة نظر ابن أبي يعفور وخطأ المعلى بن خنيس بقوة13.
وقد حظيت آراء ابن أبي يعفور بتأييد واسع في المجتمع الشيعي في ذلك العصر، وظهرت في زمن خلافة المهدي العباسي فرقة شيعية تسمى "اليعفورية" تمتاز بآراء معتدلة وسليمة في المسائل الخلافية. ولا تستيغ الجدل في الأمور المذهبية، ولا تعتبر منكر الإمامة كافرا كما يرى الغلاة14.
و خلال النصف الأول من القرن الثالث وقف علماء ورواة الحديث في قم -وقد كانت مركزا علميا رئيسيا للشيعة- موقفا حازما ضد الغلو، حتى كانوا يخرجون كل من ثبت في حقه رواية أحاديث الغلاة من مدينتهم، بل حكموا بتكفير كل من كان يعتقد بذلك، وقد حاول القميون غير ما مرة قتل من يحمل تلك الأفكار الغريبة. ولم يفرقوا في ذلك بين الغلاة "الملحدين" أو "المفوضة" الذين وصفوا خصومهم أيضا "بالمقصرة" في إشارة إلى عجزهم وقصورهم عن الإدراك الحقيقي والعميق لمنزلة الأئمة (ع) 15!!
لقد اتفقت مصادر الفقه الإمامي منذ تكوّنه وحتى الآن على كفر الغُلاة والمفوضة، حيث صرّح بذلك الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد16، والشهيدان في اللمعة الدمشقية وشرحها17، والسيد اليزدي في العروة الوثقى18، ونقل السيد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى الإجماع على ذلك، ثم أردف قائلاً: "وكذا الحال لو أريد من الغُلو تجاوز الحد في صفات الأنبياء والأئمة مثل اعتقاد أنّهم خالقون، أو رازقون، أو لا يغفلون، أو لا يشغلهم شأن عن شأن، أو نحو ذلك من الصفات"19.
حيث وجدت هذه الدعوات والتحذيرات صدى لدى الكثير من عقلاء الشيعة والملتزمين بأوامر مرجعياتهم، بيد أن للعوام وبعض المتطرفين من الدعاة والفقهاء آراء أخرى قد طغت عليها العادة والتقليد خصوصا وأن الكثير من جهود التنقيح ما زالت تنتظر هذا التراث، رغم الجهود التي بذلها وما زال يبذلها الكثير من علماءهم القدامى والمعاصرين.
تداعيات أفكار المفوضة في التراث الشيعي:
لقد شكل الغلو في أئمة أهل البيت (ع) الأصل في كل داء أصيب به الشيعة فيما بعد، حيث تسلل تراث المفوضة الفكري في البنية العلمية للشيعة منذ القرن الرابع ولقي قبولا بالتدريج، ودخلت آراءهم في المجاميع الحديثية، ولا سيما الموسوعية منها ككتاب الكافي، وبحار الأنوار.. ودخلت في العصور المتأخرة الكثير من كتاباتهم فيما ألفه بعض علماء الشيعة من عجيب الروايات والنقول20 حول معاجز الأئمة وأحوالهم ومراتبهم دون أن يتعهد المؤلفون هاته الروايات بالتمحيص، وقد كان هدف البعض من ذلك ترسيخ عقائد العوام بمنزلة الأئمة الأطهار وتقوية إيمانهم بالمذهب!!
فمن ذلك دلائل الإمامة ومسند فاطمة للطبري الشيعي، وعيون المعجزات لحسين بن عبد الوهاب، وتفسير فرات بن إبراهيم، وثاقب المناقب لعماد الدين الطوسي، والروضة لابن شاذان.. وقد ذهب بعض المتأخرين إلى حد الدفاع عن بعض الغلاة و تسديد سهام اللوم لأساطين علم الرجال، بسبب وصمهم غلاة ومفوضة الصدر الأول بفساد العقيدة.
وقد أيد الكثير من الدراويش والمتصوفة هذه العقائد عندما وجدوها موافقة لأفكارهم الباطنية. وقد ظهر في الفلسفة العرفانية الشيعية اتجاه تأثر بنظرة محيي الدين بن عربي الصوفية إلى الوجود، وقد تطور خصوصا في القرن الحادي عشر في أفكار العارف الشيعي السيد حيدر الآملي، واتخذ شكل مدرسة فلسفية تسمى بالحكمة المتعالية، حيث طرحت هذه المدرسة في تحليلها لمفهوم الإمامة النظرية المسماة ب"الولاية التكوينية" على أساس نظرة ابن عربي للوجود. مما أدى إلى انقسام الأوساط الشيعية مرة أخرى إلى اتجاهين يختلفان حول هذا المفهوم الجديد ودائرة انطباقه21. ومن الفرق التي آمنت بتفسير المفوضة للوجود، ودور الأئمة في خلق ورزق الموجودات فرقة الشيخية التي ظهرت في القرن الثالث عشر.
كما أثر هذا التراث العقدي في مواقفهم وفقهياتهم وطقوسهم، حتى أصبح عزل تلك المظاهر من أصعب الصعاب التي تجشم عناءها القلة القليلة من عقلاء الطائفة وعانوا في ذلك الأمرين من الفقهاء التقليديين والدعاة المتحمسين الذين تأثروا بهذه الرؤى والطروحات المغالية وكذا السذج من عوام الشيعة الذين تابعوهم في ذلك.
فمن ذلك تكفير من ينكر أصل الإمامة أو أحد الأئمة، وقد ذهب إلى ذلك بعض من أبرز فقهائهم كالشيخ الصدوق، وخالفه في ذلك جماعة من أشهرهم الشيخ المفيد. ومن ذلك سب ولعن كل من عارض الأئمة من آل البيت (ع) أو خالفهم بدءا من بعض الصحابة المبجلين لدى أهل السنة وانتهاء بعوام المخالفين للمذهب من كل الطوائف، وهو أمر يخالف مواقف الأئمة (ع) وأخلاقهم في الدعوة والتربية.
ومن ذلك بعض التأويلات المغالية للقرآن الكريم، وقد جاءت الكثير من الروايات التي تشير إلى أن بعض الآيات المنزلة في القرآن قد ذُكرت فيها أسماء أئمة أهل البيت (ع)، كما رُوي في الكافي22 عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (ع) في قول الله تعالى: (مَن يُطِع الله ورَسُولهُ ـ في ولاية عليّ والأئمة من بعده ـ فقَد فازَ فوزاً عظيما) –سورة الأحزاب-71- وفيه أيضا بموضع آخر23 عن منخّل، عن أبي عبدالله(ع)، قال: نزل جبرئيل على محمّد(ص)بهذه الآية هكذا: (يا أيّها الّذين اُوتُوا الكتاب آمِنوا بما نَزّلنا ـ في علي ـ نوراً مُبيناً) –سورة النساء-47- إلى غير ذلك من الروايات التي ضعفها عدد من كبار علماء الشيعة كالعلامة المجلسي في كتابه مرآة العقول، والمحدث الكاشاني أيضا في كتابه الوافي.
ومن ذلك غلوهم في بعض أقوال الأئمة التي كانت تناسب عصرا معين، كالتقية التي دعا الإمام الصادق (ع) شيعته لاستخدامها كإجراء وقائي لحفظ النفس بعد أن استحر القتل وزاد الحصار والتضييق على أتباع المذهب خلال العهدين الأموي والعباسي. لكن بعض الفقهاء الذين تأثروا بآراء المفوضة كانوا يرون في أقوال الأئمة تشريع يضاهي تشريع القرآن، فمازالوا حتى رفعوا التقية إلى مرتبة العقائد، بأحاديث وتأويلات فاسدة. وكذا إضافة الشهادة الثالثة إلى الأذان وقد صرح الشيخ الصدوق بأنها من بدعهم24.
ومن ذلك تعصب بعض فقهاء الشيعة ودعاتهم لبعض الممارسات والطقوس العنيفة في إحياء بعض المناسبات كذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) في كربلاء وأربعينيتها، ومن أشهرها "التطبير" (أي جلد الذات) والذي نهى عنه، بل حرمه الكثير من المراجع المعاصرين25، إذ ليست هذه الظاهرة بقديمة عند الشيعة كما يحاول بعض الدعاة إقناع العوام. حيث يذهب الدكتور علي شريعاتي بأن إسماعيل صفوي(1501 - 1524) قد أوجد وزارة جديدة سماها وزارة الشعائر الحسينية، وقد طلب من الوزير السفر إلى أوروبا وخاصة إلى روما ليستفيد من بعض الممارسات والشعائر المسيحية وتبنيها، فسافر الوزير وجاء بالتسوط أو التطبير الذي هو شق الرأس بالقامة (السيف) وضرب الجسد بالسلاسل الذي يمارسه بعض المتدينين المسيحيين. كما ذكر المؤرخ إسحاق نقاش في كتابه شيعة العراق بأن الإحتلال البريطاني هو الذي سعى إلى إدخال هذه الممارسة إلى النجف الأشرف عام 1919 لضرب الحوزة العلمية التي كانت تعارض احتلال الإنجليز للعراق، لينتقل بعد ذلك إلى باقي البلاد العربية التي يسكنها الشيعة.
خاتمة
وختاما فإن هذا التراث المتناقض مازال يقض مضاجع الكثير من عقلاء المذهب والمحققين الشيعة، وقد أشار المرجع اللبناني الراحل السيد محمد حسين فضل الله إلى ذلك بقوله: "إن هناك فوضى أحاطت بالأحاديث الواردة عن الأئمة من وضاع الحديث الذين كانوا لا يكتفون بنقل الأحاديث الموضوعة بشكل مباشر، بل كانوا يدسونها في كتب أصحاب الأئمة الموثوقين كزرارة ومحمد بن مسلم وأمثالهما ليدخل الحديث الموضوع إلى الذهنية الإسلامية العامة من خلال هؤلاء الثقاة الذين لا يدخل الريب إلى ما ينقلونه عن الأئمة انطلاقاً من وثاقتهم"26، مما بات يستدعي الوقوف على جذور الكثير من العقائد والممارسات والآثار الدخيلة على المذهب ومراجعة أدلتها بتريث وموضوعية.
ولعل ذلك يكون من أهم الجهود التي يجب على العلماء بذلها كل من داخل مذهبه من أجل تسريع وتيرة التقارب بين المسلمين وتجاوز خلافاتهم الطائفية، والتي يستغلها عادة أعداءهم لتوسيع شقة الخلاف والتأسيس لعداوة أبدية بناء على خرافات وأساطير أصبحت بفعل الغلو والتطرف جزءا من الدين والمذهب..
هوامش:
1- كتاب البيان والتبيين للجاحظ 81:3/مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا 117و116. فرق الشيعة للنوبختي: 40-44..
2- كمال الدين: 33 الذي يتحدث فيه السيد الحميري عن عقيدته قبل اعتناقه للمذهب الجعفري، إذ يقول:"كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن الحنفية" وانظر فرق الشيعة للنوبختي 52.
3 -أنظر مقال وداد القاضي حول تطور مفهوم الغلو واصطلاح الغلاة في الأدب الإسلامي (باللغة الإنجليزية) 295-300.
4- راجع حوله كتاب الكيسانية في التاريخ والأدب: 206-208 ومصادره.
5- فرق الشيعة:45/ المقالات والفرق: 32.
6- أنظر كتب الرجال عند الشيعة، خصوصا رجال النجاشي ورجال الكشي.
7- يستند الموقف المعتدل في مسألة علم الأئمة بالغيب إلى قوله تعالى: "عالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدً* إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا"، حيث تشير الآية إلى أن الله قادر على أن يطلع من عباده من ارتضى من رسله وأوليائه على علم الغيب، ليؤيدهم به على الحق.
8- راجع الروايات، التي ينقلها المفوضة في هذا الباب في تفسير العياشي 1:374، بصائر الدرجات 14-20، الكافي 387:1، أمالي الصدوق 315:1..
9- بصائر الدرجات 152/ المقالات والفرق 61..
10 -حول هذه الموارد راجع كتاب بصائر الدرجات بأكمله. وكتاب الكافي 1: 168-439
11- سمي مذهبه بالنصيرية، وقد استمرت هذه الطائفة منذ ذلك الحين إلى اليوم، ومازال لهم وجود يعد بالملايين في سوريا ولبنان وتركيا. راجع مادة (نصيرية) في دائرة المعارف الإسلامية (باللغة الإنجليزية). ط2. 8: 145-148
12- انظر أمالي الشيخ 264:2 وعيون أخبار الرضا 203:2.
13- رجال الكشي: 247 (البند 456) / مناقب ابن شهرآشوب 354:3.
14- انظر مقالات الإسلاميين 122:1، فرق الشيعة 65، المقالات والفرق 69.
15- أنظر بحار الأنوار26: 14-15، وينقل نصا مجهولا من آثار المفوضة على صورة حوار بين النبي (ص) والإمام علي (ع): "قلت يا رسول الله ومن المقصر؟ قال: الذين قصروا في معرفة الأئمة..أن يعرف أن من خصه الله بالروح، فقد فوض إليه أمره يخلق بإذنه ويحيي بإذنه" !!
16- تصحيح الاعتقاد: 238.
17- شرح اللمعة الدمشقية 3: 180.
18- العروة الوثقى 1: 68.
19- مستمسك العروة الوثقى 1: 386.
20- من ذلك محاولات بحثهم عن آثار الأئمة في أعماق التاريخ البشري، من سفينة نوح وصحف إدريس إلى قوائم العرش الإلاهي!! ومازالت مثل هذه الأحاديث تتردد إلى اليوم من على الكثير من المنابر الشيعية والحسينيات دون تمحيص.
21- حول هذا الموضوع راجع كتاب الإمامة والقيادة للأستاذ الشهيد مرتضى مطهري: 57.
22- الكافي: 8 / 414
23- تفسير نور الثقلين: 1/487 نقلاً عن اُصول الكافي
24- أنظر من لا يحضره الفقيه 1: 290-291
25- من المراجع الدينية التي ورد نهيها عن التطبير؛ آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي، والإمام الخميني، وآية الله العظمى الشيخ محمد علي الأراكي، وزعيم الطائفة الراحل السيد محسن الحكيم (ق.س) حيث قال: "إن هذه الممارسات ليست من الدين ومضرة بالمسلمين، ولم أر أي واحد من العلماء عندما راجعت النصوص والفتاوى يقول بأن هذا العمل مستحب، يمكن أن نتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، إن قضية التطبير هي غصة في حلوقنا".
26 -مجلة الفكر الجديد - مقالة لمحمد حسين فضل الله ص8.
*باحث في اختلاف المذاهب الإسلامية
m.akdid@hotmail.fr