العبد لله واحد من الصحافيين الذين انتقدوا، بكثرة، الأداء السياسي للأستاذ عبد الإله بنكيران طيلة سنوات طويلة.
انتقدته من الموقعين معا. عندما كان في المعارضة وأيضا عندما أصبح رئيس حكومة.
وعلاقتي مع بنكيران كانت دائما متوترة قبل أن تصل الى القطيعة عندما نشرت، وأنا صحافي بالمساء”، خبرا وضعه وحزبه في حرج حقيقي مع الملك في الواقعة المعروفة ب”الحساب البنكي حول غزة”.
ولأن الحرج وقع والضرر تحول الى حقيقة، فقد اضطر بنكيران، وقتها، الى تحرير بلاغ كان بمثابة اعتذار للجالس على العرش.
لكن، ومهما اختلف الإنسان مع بنكيران، فلا يمكن إلا يقف بذهول أمام هذه “الكاريزما” التي بناها الرجل لنفسه ليس من كرسي المعارضة ولكن من الكرسي الوثير للحكومة.
وهذا هو اللافت في هذه المعادلة الصعبة حتى أن مسؤولا كبيرا في وزارة الداخلية لم يتردد في القول، وهو بتحدث في جلسة خاصة “نعم بنكيران هزمنا في الانتخابات الجماعية والشريعية، وتوقعاته حول نتائج الانتحابات كانت دقيقة مقارنة بتوقعاتنا”.
وربما لهذا السبب أيضا قال خصم إديولوجي حقيقي للإسلاميين هو المؤرخ المغربي المعطي منجب “إن بنكيران يمثل بحق كبرباء الشعب”، فيما قال الباحث السيوسيولوجي محمد الناجي “إن بنكيران هو الذي أعاد الحياة للسياسة في المغرب”.
لكن هناك ما هو أهم من كل هذا في شخصية بنكيران. وأقصد هنا تلك الطرائف والقفشات التي لا تخلو من رسائل مشفرة الى كل من يهمهم الأمر فرادى وجماعات.
وكم وددت لو خرجت معظم هذه الطرائف والقفشات إلى العلن خاصة أن بعضها كان مع قادة دول وزعماء ومسؤولين حكوميين عرب وعجم، وأيضا، وهذا هو الأهم، مع الجالس على العرش شخصيا.
وليس صحيحا أن طرائف بنكيران وقفشاته وراءها عفوية منفلتة من عقالها أو سوء ذوق كما يحاول البعض أن يقدمه دون معرفة دقيقة بهذا “الإسلامي” الذي يوصي أنصاره بالملكية خيرا أكثر من الملك لكن على طريقته.
نعم هي ليست عفوية بهذه الملامح. أبدا.
عفوية بنكيران عفوية مسيجة بفلسفة ومنهج فكري مؤطر لها، ولا شيء يحدث ربما دون أن يكون غير مفكر فيه.
ولأن الأمر كذلك، فكثيرا ما تخلف هذه القفشات “خسائر” وسط خصوم بنكيران وتصيب بعضهم في مقتل.
وأكيد أنكم تتذكرون تلك الجلسات الشهرية في البرلمان التي حولها بنكيران الى مواعيد لا تخلف من طرف البسطاء والعوام من الناس كما لو أن الأمر يتعلق بمباراة من مباريات البارصا والريال.
وقد روي لي صديق يشتغل في البرلمان كيف أن معظم موظفات هذه المؤسسة، ولأول مرة في تاريخها، يضطرن الى ترك التزاماتهن المهنية أو تأجيل إنجازها لكي يذهبن الى حضور هذه “الجلسات البنكيرانية” التي تجمع بين السياسة والفرجة و”حشيان الهضرة” الثقيلة الى معارضيه المرئيين والواقفين من خلفهم.
وهكذا لم تعد “السياسة” مع بنكيران صعبة الفهم أو شأنا نخبويا لا يعني إلا أقلية القوم وعليته.لا.مع بنكيران، حتى تلك الأرملة الأمازيغية المنسية بأطفالها خلف الجبال باتت تعتقد، الى حد التصوف، أن نصيبها من صندوق المقاصة سيصلها يوما ما، وأن ما منعه من الوصول هو هذا “المخلوق” الذي يحمل اسم “التحكم” أو تلك “الروح الشريرة” التي تسكن أم الوزارات أو ذلك الجيش العرمرم من التماسيح والعفاريت.
ماذا يعني هذا؟
هذا له معنى واحد لا ثاني وهو أنه مع بنكيران ارتفع منسوب الوعي السياسى لدى فئات واسعة من المغاربة، والسبب هو أن رئيسهم في الحكومة يتحدث لغتهم ويشبههم في كل شيء بل يشبههم حتى في “اسدادر” صالونه ولونهم الأحمر.
مصطفى الفن كود