ونحن في سوق السياسة من حقنا أن نُبْرِزَ الجديد النَّاجِع والقوي والفَعَّال ، كمغاربي فَرِحْت ُ لنسمة من نسمات الديمقراطية هَبَّتْ يوم الجمعة 17 مارس 2017 في صحراء موريتانيا حينما صوتت أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ في الغرفة العليا للبرلمان الموريتاني ضد مشروع القانون الدستوري الموريتاني الذي قدمه الرئيس محمد ولد عبدالعزيز.....الغريب أن مشروع التعديل كان يتضمن إلغاء هذا المجلس بعينه ، كيف يعقل أن يتضمن مشروع مراجعة الدستور الموريتاني بعد اقتراح تغيير العلم الوطني والنشيد الوطني وإلغاء محكمة العدل السامية التي بإمكانها محاكمة رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة ، ثم يطلب الرئيس من هذا المجلس أن ينتحر ؟ كيف يتضمن مشروع التعديل في نفس الوقت إلغاء المؤسسة التي ستشرف على التصويت على هذه التعديلات ؟ فإما أن هذه هي قمة الديمقراطية في بلاد العجائب أو إنه فن من الجنون السياسي ....
للنجاة من استنساخ تجربة الجزائر لم يبق للموريتانيين سوى التشبث بمجلس الشيوخ :
بَلِيدٌ من يتبع تجربة الجزائر التي كانت لها كافة المقدرات الطبيعية والمخزون المالي لتكون قدوة تنموية اجتماعية في المنطقة المغاربية ، لكنها لا تملك مؤسسات ديمقراطية حقيقية تتحكم في رعونة حكام وَرِثَهُمْ الشعب الجزائري مع المتاعِ الذي تركَهُ الاستعمار الفرنسي في الجزائر ، لقد ضيع الحركي الحاكم في الجزائر ثروة الشعب الهائلة في رمشة عين وأصبحت الجزائر اليوم ونحن في عام 2017 أسطع نموذج سيء للسفه والرهق والنزق في تبدير الأموال السائبة التي صرفها حكامها على ترهات وتخاريف بالية وترك الشعب الجزائري تائها بين فراغ مؤسسة الرئاسة وفراغ خزينة الدولة ، بئس النموذج الجزائر الذي ضاعت في الفراغ ، فلا مؤسسة رئاسية معلومة ولا مصادر اقتصادية قارة ومضمونة المداخيل ولا شريحة اجتماعية مثقفة هيأت مشروعا سياسيا واضحا يمكن أن تقدمه للشعب في مثل هذه الظروف الخطيرة على كيان البلاد ووجودها ، لكن الأغرب من ذلك أن نرى موريتانيا وحكام موريتانيا يسيرون بسرعة نحو استنساخ تجربة الجزائر الفاشلة التي ضحك العالم بإسره على تفاهة اختياراتها منذ 55 سنة من التقلبات ضيعت خلالها مئات الآلاف من ملايير الدولارات هباءا منثورا لو كان للشعب الموريتاني عُشُرَ مِعْشَارِ ما ضيَّعه سفهاءُ الجزائر الجاثمين على صدر الشعب الجزائري لكانت موريتانيا جنة خضراء في الصحراء ، ويبدو أن العسكر الحاكم في موريتانيا قد ارتمى في حضن جنرالات الجزائر ليستنسخ منهم تجرتهم على علاتها وما تحمل من نقائص وأخطاء وأخطار على الشعب الموريتاني ، لكن ها قد ظهرت نقطة ضوء في سماء موريتانيا المظلمة بانتشار ظلام جبروت جنرالات الجزائر على أرض شنقيط لتبتلعها ، فمن خلال موقف مجلس الشيوخ الموريتاني ضد محاولة ولد عبد العزيز تمرير بعض مشاريع القوانين الدستورية وقولهم " لا " بنسبة عالية يمكن أن يطمئن الشعب الموريتاني أن له جهازا قد يحميه من بطش هذا الطاغية خاصة وأن السلطة التنفيذية ليست لها – والله أعلم – سلطة حل مجلس الشيوخ هذا ، فإذا تمسك الشعب بهذا المجلس وابتعدت موريتانيا كثيرا عن النموذج العسكري الحاكم في الجزائر ، وإذا وفَّى ولد عبد العزيز بعهده ولم يتمسك بالحكم كما يفعل العسكري ( اللازق بن المثبت ) فإن مستقبل موريتانيا سيكون أفضل والدليل على أن ولد عبد العزيز كان يريد خراب موريتانيا هو كونه يعرف جيدا أن آخر بوصلة سليمة لا تزال توجه الشعب الموريتاني نحو المستقبل المشرق هو " مجلس الشيوخ " الموريتاني لذلك عمل و سيعمل كل ما في جهده على إلغاء مجلس الشيوخ ليفقد الشعب الموريتاني آخر بوصلته ويتيه في صحراء موريتانيا تفعل به قوى الشر المنتشرة في المنطقة ما تريد وعلى رأسها عسكر الجزائر الجاثم على صدر الشعب الجزائري ، وليس للشعب الموريتاني إلا هذا المجلس المنقذ من الضلال بحكمة مكوناته ورصانتهم وحبهم لوطنهم ...
موريتانيا المخدوعة بأكذيب حكام الجزائر المنتهية صلاحيتهم
تبدو موريتانيا الرسمية مخدوعة بنظام العسكر الحاكم في الجزائر ولست أدري هل يعلم الموريتانيون كم آلاف الملايير من الدولارات ضيع سفهاء الجزائر ولم يجدوا اليوم من ينفعهم ، ولعل الموريتانيين يعلمون أن الجزائر أصبحت منبوذة في إفريقيا ولم يبق في صَفِّهَا سوى 7 دول منها موريتانيا ، أما البقية فقد تفرقوا عنها شذر مذر وأصبحت الجزائر بين دول إفريقيا كالبعير الأجرب ، فكل يبحث له عن مصلحته الوطنية الخاصة و لايأبهون للجزائر المنهارة والمنتهية مدة صلاحيتها بانهيار أسعار النفط العاليمة التي كانت تشتري بها مواقف حكومات الدول الإفريقية ومنها حكام موريتانيا ، لقد كان حكام الجزائر يتبجحون بمداخيل النفط والغاز وأعماهم الغرور والبَطَرُ فأصبحوا كالطائش السفيه الذي جاء ذكره في القرآن الكريم حيث قال عز وجل { وَدَخَلَ جَنَّته وَهُوَ ظَالِم لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنّ أَنْ تَبِيد هَذِهِ أَبَدًا } ( الكهف 35 ) صدق الله العظيم .. لكن أخزاه الله كما أخزى حكام الجزائر وهو السميع العليم والمنتقم الحكيم سبحانه وتعالى عما يشركون ... فما ذنب الشعب الجزائري البريء من اختيارات حكامه ، فلو كان له مؤسسات مثل مجلس الشيوخ الموريتاني لما تصرفوا بهذا النزق والسفاهة . ويعلم الجميع أنه ليس في الجزائر مؤسسات حقيقية فكل ما يظهر في الواجهة هو مجرد مؤسسات صورية لا قيمة لها لأن المؤسسة الوحيدة الحقيقية في الجزائر هي مؤسسة الجيش منذ البيان رقم 1 الذي أصدره بومدين قبل إعلان استقلال الجزائر وانقلب به على الحكومة المدنية المؤقتة برئاسة فرحات عباس في 15 جويلية 1961 ...
الفرق بين من يعتمد على نفسه ومن يمد يده
ليس المهم أن يبيد المال لكن الأخطر أن يجد الإنسان نفسه عاجزا عن العيش بدون ريع نفطي ولا غازي ، ويحمد الله الشعب الموريتاني أنه شعبٌ حَذِقٌ ماهر يشمر عن سواعده ويرزقه الله بفضله وفضل فِطنته في التجارة والأعمال اليدوية وخبراته العلمية والتكنولوجية وليس كالشعب الجزائري الذي تأكد أن معظم شبابه متواكل على الدولة ، عاش منذ الاستقلال وهو يَمُدُّ يده للريع النفطي ، ولن تجد في الجزائر أسرة لا تستفيد من ريع النفط بالقليل أو الكثير ، والدولة الجزائرية لا تفكر في فك الارتباط مع هذه الشردمة من المتواكلين لأنها هي التي تعتمد عليها في المحافل الداخلية والخارجية لإثارة الضجيج الداخلي والدولي .. فهل هَبَّةُ مجلس الشيوخ الموريتاني علامة على أن موريتانيا قد أدركت أنها كانت مخدوعة بأكاذيب حكام الجزائر وأنه فعلا قد انتهى مفعول التأثير الجزائري على موريتانيا ؟ وأن موريتانيا قد لفظت عسل الأكاذيب الجزائرية المغشوش وفطن الشعب الموريتاني من خلال مجلس الشيوخ أن حكام موريتانيا قد تآمروا على الشعب الموريتاني مع حكام الجزئر لتحطيم آخر بوصلة للشعب الموريتاني كان يستشرف بها مسيرته المستنيرة نحو المستقبل الآمن والمشرق بعيدا عن شر جنرالات الجزائر ومكائدهم ..فشتان بين من يشمر عن سواعده كالشعب الموريتاني ومن أَلِفَ أن يمد يده ليقتات من فتات موائد جنرالات فرنسا من حكام الجزائر ... فحذار يا شعب المليون شاعر .
عود على بدء
المؤكد أن لا علاقة بمجلس الشيوخ الموريتاني الحالي بالمعارضة الموريتانية سواء تلك التي يتحاور معها محمد ولد عبد العزيز أو غيرها ، مجلس الشيوخ هو من آثار دستور 1991 الموريتاني الذي يمكن أن يفتخر به الشعب الموريتاني لأن هذا المجلس يبقى هو آخر خط للدفاع عن كرامة الشعب الموريتاني أمام محاولات تركيعه لنزوات خدام عسكر الجزائر من الموريتانيين ، و يبقى هذا المجلس نسمة عطرة تبعث الروح في نفس الشعب الموريتاني المتطلع للتنمية والنماء بكرامة بعيدا عن المزايدات الغوغائية ، لأنه المؤسسة التي لا يزال فيها بريق من مصداقية حتى وإن شكك بعضهم في ذلك ، بل وذهب بعضهم للمطالبة بحماية أعضاء مجلس الشيوخ خوفا عليهم من شرور الانتقام وخصوصا من أعداء الشعب الموريتاني في الداخل من الموالين للهيمنة الجزائرية على الشأن الداخلي لموريتنانيا ...
حذارِ أيها لشعب الموريتاني أن يستغل ولد عبد العزيز صلاحياته بتغيير الدستور وعرضه على الاستفتاء المباشر للشعب الموريتاني حتى يفعل التزوير أفاعيله ، لأن أول شيء سيبدأ به تغيير دستور 1991 هو إلغاء البند المؤسس لمجلس الشيوخ الذي وقف ضده وضد مصالح موريتانيا العليا ...حذارِ لأن ذهاب مجلس الشيوخ يعني سقوط موريتانيا كاملة كورقة صفراء في فصل الخريف في حضن الفاشية والديكتاتورية بصفة نهائية ( هذا لايعني أن موريتانيا اليوم تعيش في بحبوحة الديمقراطية وخير دليل أن الرئيس الحالي جاء بانقلاب على شرعية صناديق الاقتراع ) هذا شيء معروف لكن على الشعب الموريتاني أن يحافظ على ما تبقى لهم من دستور 1991 وهو مجلس الشيوخ هذا ... ووقى الله الشعب الموريتاني من خريف شنقيطي سَيُدْمِي قلوبَ أحرار المنطقة المغاربية التي هي كالجسد الواحد مصداقا لقول خير البرية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم : " مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى" ... هو ذاك ... هو ذاك الذي لم ولن يفطن به حكام الجزائر أبدا على مدى 55 سنة من العبث السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة المغاربية بل ذهبوا ببلادهم إلى الهاوية .. فحذارِ أيها الموريتانيون أن تفرطوا في آخر بوصلة تنجيكم من استنساخ تجربة ممسوخة تَمَسَّكَ بها حكام الجزائر عنوة وعنادا ومكابرة حتى وهم يرون بلادهم سائرة نحو الهاوية قبيل عهدة بوتفليقة الرابعة ... فحذارِ أن تعيدوا تجربة نظام خسر كل شيء في وقت يحتاج فيه الشعب إلى أي شيء وكل شيء ....
سمير كرم