بقلم حكيم بلمداحي
بعد فترة، ستتغير مخلفات الخطاب الشعبوي، وتبقى حاجة واحدة هي أن عبد الإله بن كيران فشل في تشكيل الحكومة.
كيف فشل؟ وهل كان هناك تواطؤ من أجل حصوله على هذه النتيحة؟ كل هذا يبقى مجرد تفاصيل. غير أن ابن كيران هو أول رئيس حكومة في المغرب تم تكليفه ولم يستطع أن يشكل الحكومة أو يحصل على تحالفات لتشكيل أغلبيته…
تعيين الملك لشخصية أخرى من حزب «العدالة والتنمية» يمكن قراءته على أنه تشبث بمنطوق الدستور أولا، لكنه أيضا يعني دعوة لضرورة تغيير منهجية التفاوض من أجل تشكيل حكومة لكل المغاربة، وليس حكومة ل «العدالة والتنمية» كما كان يتصور ابن كيران.
تعيين سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة يستدعي التسريع بتشكيل حكومة منسجمة قوية، تكون في مستوى التحديات الداخلية المطروحة على المغرب، وقادرة على تنفيذ التزامات البلاد الدولية، خصوصا في ما يتعلق بالتوجه الجديد في السياسة الخارجية، وهو التوجه الذي يربط بين الاستراتيجي والاقتصادي.
مطروح على سعد الدين العثماني أن يعوض على المغرب الشهور الخمسة التي مرت في «الفراغ»، ومطروح عليه أيضا أن يغير منهجية التفاوض، ويتفادي أخطاء أمينه العام عبد الإله بن كيران. هذا الأخير الذي أغرق مشاورات تشكيل الحكومة في جزئيات عاطفية، وأنانية أحيانا، أكثر من كونها شروطا تتعلق بالبرامج والتوجهات…
سواء أردنا ذلك أو أبيناه، لا بد من الاعتراف بأن التفاوض بالشكل الذي باشره ابن كيران، وضع المجتمع السياسي بالمغرب في مأزق حقيقي، حيث كشف أنه مجرد أحزاب بدون جوهر، تغيب فيها الاستقلالية وبعد النظر…
قد يكون ما يجري اليوم تمرينا في الديموقراطية. إلا أن هذا التمرين يعكس أعطاب السياسة في البلد ويظهر مستوى الخواء الذي نعيشه، في وقت من المفروض أن نكون استثناء في المنطقة…
في انتظار طريقة سعد الدين العثماني في تدبير التشاور حول تشكيل الحكومة، لابد من الوقوف عند هفوات ابن كيران في هذا الأمر.
أولا: ابن كيران تحكمت فيه خلفية أساسية تتمثل في تضخيمه للنتائج التي حصل عليها حزبه، حيث اعتبر تصدره النتائج «كارت بلانش» تسمح له بتدبير الأمور بمنطق الزعيم الأول، حد التسلط. هذا في حين أن حقيقة المشهد السياسي كما أفرزه اقتراع 7 أكتوبر تقتضي البحث عن تحالف مع أحزاب أخرى.
ثانيا: اندفاع ابن كيران جعله يستصغر في الأحزاب الأخرى أن يكون لها رأي، فواجهها بازدراء، وقلل من شأنها. مما أدخله في مواجهة تلك الأحزاب، لكن بمنطق جعلها تتكتل ضد من تعتبره خصما عنيدا. هكذا وجد ابن كيران نفسه معزولا.
ثالثا: منهجية تشكيل التحالف اعتمدت على منطق تقسيم الوزيعة، دون وضع برنامج حكومي يقتضي وجود من يتفق أو يختلف معه. هذا الأمر جعل العملية برمتها تتلخص في كعكة، الكل يرغب في نصيبه منها.
رابعا: ابن كيران يعتبر الحكومة من حق «العدالة والتنمية»، وما على الأحزاب الأخرى إلا «مبايعته» فقط. هذا الأمر يظهر من خلال كون الأمانة العامة للعدالة والتنمية هي التي كانت تدير التفاوض، في حين كان من المفروض أن يقتنع ابن كيران بأنه بصدد تشكيل حكومة للمغرب وللمغاربة، ويأخذ مسافة معقولة مع حزبه.
هل سيحاول سعد الدين العثماني أن يتفادى هذه الأخطاء وغيرها؟ هو السؤال الذي سيجيب عنه القادم من الأيام.