|
|
|
|
|
أضيف في 22 مارس 2017 الساعة 16 : 10
عبد الغني القاسمي.
غداة تحرير المغرب لأقاليمه الجنوبية التي كانت رازحة تحت الاستعمار الاسباني بفضل الالتحام التاريخي ما بين الملك والشعب التي تجسدت في المسيرة الخضراء المظفرة سنة 1975، شهدت العلاقات المغربية الجزائرية توترا شديدا تجلى على الخصوص في اصرار النظام الجزائري على معاكسة المغرب على هذا الانجاز العظيم الذي التفت حوله كل فئات الشعب المغربي من طنجة الى الكويرة ، وساندته القوى المحبة للسلم و الامن و الاستقرار في العالم، لكونها رأت فيه انتصارا للشرعية الدولية واحتراما لإرادة سكان تلك الاقاليم المحررة في العودة الى أصولها الثابتة روحيا و تاريخيا و حضاريا ، والتي اكدها الحكم الصادر عن المحكمة الدولية بلاهاي. وداخل دائرة هذا التوتر الشديد، اختار حكام الجزائر نهج التصعيد في مواجهة بلد اقدم على استرداد حق ضاع منه في ظروف يعلمها الجميع ،ألا وهو حق تحرير ارض اغتصبت منه قسرا من طرف قوة استعمارية توسعية غاشمة ، وحيث ان هؤلاء الحكام كانوا محسوبين على المعسكر الشرقي المرتكز على توجهه الايديولوجي الموسوم بالشيوعية والمعادي للمعسكر الغربي المناقض له ايديولوجيا ، فهم لم يتأخروا عن اقحام المغرب في الصراع القائم بين المعسكرين في اطار ما كان يسمى حينئذ بالحرب الباردة ، وانبروا في شن حملات مغرضة تستهدف جيرانهم المغاربة في سمعتهم و مكانتهم الدولية التي يشهد بها القاصي و الداني. وسموا المغرب بالرجعية و العمالة للغرب الذي اعتبروه عدوا لدودا لهم آنذاك اي قبل سقوط سور برلين ، طردوا ازيد من 40 الف مغربي مقيم منذ عقود في مختلف حواضر و بوادي الجزائر من اراضيهم بالطريقة التي تذكرنا بما فعلته محاكم التفتيش الكاثوليكية في حق الموريسكيين في إسبانيا، واحتجزوا عشرات الالاف من سكان اقاليمنا الجنوبية المحررة واجبروهم على التجمع في مخيمات بمنطقة تندوف الواقعة تحت نفوذهم ، مضيفين اليهم آلافا من الرحل المنحدرين من موريتانيا و مالي و النيجر وباقي بلدان الساحل الافريقي ليستدلوا بذلك على انهم يحتضنون شعبا ينادي بحريته و استقلاله، وسلحوهم وأطروهم عسكريا و اداريا وعبأوهم لمحاربة المغرب، وبلغ بهم الامر الى تأسيس ما يعرف بالجمهورية الصحراوية التي ادخلوها – عن طريق النصب و الاحتيال - الى ماكان يسمى بمنظمة الوحدة الافريقية قبل تسميته بالاتحاد الافريقي . وتمشيا مع السياق ذاته، لم تفتا انظمة متحالفة مع الجزائر بحكم الانتماء المشترك للمعسكر الشرقي الشيوعي الذي كان لا زال ماثلا للعيان في تلك الاثناء، لم تفتا تعلن دعمها لهذا المولود الجزائري اللقيط المسمى البوليزاريو، والذي ليس في الحقيقة سوى اداة ميكانيكية طيعة تنفذ اوتوماتيكيا ما يمليه عليها اصحاب القرار في الجزائر، ومن هذه الانظمة يقف في الصف الاول النظام الشيوعي الكوبي الذي تكفل ببضعة آلاف من الصبية لا يتجاوزون السنة الواحدة من أعمارهم يخصص لهم نساء كوبيات يرضعنهم و يطعمنهم و يلقنهن اللغة الاسبانية وحدها ويحشرن عقولهم الصغيرة بالأفكار الشيوعية المنبنية على الالحاد ويبثثن في قلوبهم كراهية كل ما يمت بصلة بالإسلام و العرب. حدث ذلك في أواخر السبعينات من القرن الماضي ، فماذا عن الحاضر؟ علما بان هؤلاء الصبية قد كبروا و صاروا يقتربون من الكهولة ، ومن شب على شيء شاب عليه والتعلم في الصغر كالنقش على الحجر، وأكثر من ذلك ان كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يربيانه او ينصرانه او يهودانه او ينجسانه وأضيف ايضا او يشيعانه ويلحدانه ، اجل انه الواقع المر الذي وقفت عليه في كوبا خلال زيارتي لها مرتين، اولاها سنة 2008 والثانية سنة 2012 ، كانت الاولى قصيرة لم تتعد ثلاثة ايام واقتصرت على لاهافانا لم اتمكن فيها من اخذ الصورة الواضحة عما يجري هناك بخصوص طمس هوية ابناء اخواننا مغاربة الجنوب ، واكتفيت بما حكاه لي دبلوماسي مصري يزاول عمله في العاصمة الكوبية. اما في زيارتي الثانية فالأمر كان مختلفا ، استغرق مقامي احد عشر يوما رأيت فيها ما لم تراه عين وسمعت اثناءها ما لم تسمعه اذن ، التقيت بمحض الصدفة بأحد هؤلاء الشباب وهو يشتغل بكشك لبيع منتجات يدوية و لعب و هدايا ، ملامحه لا تختلف عن اهل الجنوب المغربي ، تجرأت على مخاطبته بالعربية فسألته عن امكانية وجود مطعم قريب من المنطقة التي نحن فيها ، لم يفهمني ، فحولت سؤالي الى الاسبانية و عندئذ فهمني فلم اكتف بذلك و رحت اضاعف من جرأتي وأنا اساله ان كان كوبيا ، فاجأني بقوله انه ينتمي لبلد اسمه الصحراء يقع في افريقيا، وهو لم يزره قط ويتمنى زيارته حتى يتعرف عليه عن كثب ، وأكد لي انه لا يعرف غير كوبا طيلة حياته، و حتى ماما ماريا و بابا اليخاندرو – يقصد والديه بالتبني- لم يخرجا بدورهما قط من كوبا طيلة حياتهما. افصح لي عن اسمه، انه خيسوس في اوساط العائلة الكوبية التي لا يعرف سواها منذ ان رأى نور الحياة ، ولكنه مسجل في سفارة ما يطلق عليه الجمهورية الصحراوية تحت اسم البشير ولد مبيريك و ينتمي لقبيلة الركيبات ، حدثني عن العديد من زملائه الذين تربوا معه في مراكز الايواء التابعة للحزب الشيوعي والتحقوا بمعسكرات الجيش الكوبي وبعد قضائهم فترة التدريب ارسلوا بالرغم عنهم الى تندوف ليصبحوا جنودا هناك،انقطعت علاقته بهم ولكنه يحتفظ بذكريات الطفولة التي قضوها سويا،ويتنهد وهو يقول بحسرة : اشعر بالحزن عندما ينادى علي هنا بنعوت ساقطة لا اتحملها فانا في نظرهم ليست لي هوية وأجنبي رغم انني لا اعرف سوى كوبا. هذا نموذج حي من الشباب الضائع في كوبا الذي يملأ جنبات شوارع و ازقة لاهافانا التعيسة، حيث الحياة لا طعم لها وسط بيئة يسودها الملل و القنط و الاحباط ، الديكتاتورية باسطة جبروتها على شعب روضه كاسترو الاول ثم كاسترو الثاني ، و على الاذعان لكل ما يصدر عن قادة الحزب الشيوعي الحاكم في نظرهم الى الابد، أينما رحلت و ارتحلت - عبر المناطق التي يسمح للأجانب بزيارتها - تجد نفسك امام مظاهر مخجلة قوامها الدعارة العلنية التي تعتبر احدى موارد الدخل القومي التي افتخر بها فيديل كاسترو قيد حياته عندما قال في احدى خطبه : اذا كانت الولايات المتحدة تتوفر على جيوش قوية و ثروات تجارية و صناعية هائلة ، فكوبا تتوفر على نساء جميلات وملاهي حافلة بالنشاط. الاطفال الذين احتضنتهم كوبا منذ نشأتهم الاولى فعلمتهم كيف يتكلمون و يكتبون و يقرأون في مراكز الايواء يفتقدون اليوم لهويتهم الحقيقية التي انسلخوا عنها ولم يعد يربطهم بها أي رابط ، انهم هائمون و حائرون و متفاعلون مع الوسط الاجتماعي الفاسد اخلاقيا الذي تجثم عليه الاباحية و الانحراف و التجرد من كل القيم، وأتساءل مع نفسي: ما مصير ألاف من هؤلاء الذين اصبحوا عالة على كوبا نفسها وتتداول اوساط كوبية بين الفينة و الاخرى مسألة التخلص منهم عن طريق ارجاعهم من حيث اتوا، أي من الجزائر الذين يجهلون لغتها و دينها و عاداتها و تقاليدها ولا يعرفون أين تقع جمهورية الوهم ، وليسوا على استعداد للاندماج في هذا المخلوق المشوه، والغريب في الأمر أن البعض منهم أعيدوا الى الجزائر وأحيلوا على البوليزاريو بالرغم منهم ليلحقوا بما يسمى جيش التحرير الصحراوي، ولما وجدوا انفسهم غرباء ويعانون من العزلة فضلوا اللجوء بعد وقت وجيز الى الهجرة السرية نحو جزر كناريا او الجنوب الاسباني بحثا عن هوية مجهولة يفتقدون حقيقتها.
|
|
2068 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|